﴿فإن خفتم﴾ من عدوّ أو سبع أو سيل أو نحو ذلك ﴿فرجالاً﴾ جمع راجل أي : مشاة صلوا ﴿أو ركباناً﴾ جمع راكب أي : كيف أمكن مستقبلي القبلة، وغير مستقبليها ويومىء بالركوع والسجود، ويجعل السجود أخفض من الركوع. والصلاة في حال الخوف على أقسام وهذه صلاة
١٨٠
شدّة الخوف وسيأتي بقية الأقسام إن شاء الله تعالى في سورة النساء. ولا ينتقص عدد الركعات بالخوف عند أكثر أهل العلم.
وروى مجاهد عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهم قال :"فرض الله الصلاة على لسان نبيكم في الحضر أربعاً وفي السفر ركعتين" وفي الخوف ركعة، وفي الآية دليل على وجوب الصلاة حال المقاتلة، وإليه ذهب الشافعيّ رضي الله تعالى عنه، وقال أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه : لا يصلي حال المشي والمقاتلة ما لم يمكن الوقوف، وقال سعيد بن جبير رضي الله تعالى عنه : إذا كنت في القتال وضرب الناس بعضهم بعضاً فقل : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر واذكر الله فتلك صلاتك ﴿فإذا أمنتم﴾ من الخوف ﴿فاذكروا الله﴾ أي : صلوا الصلوات الخمس تامّة بحقوقها ﴿كما علمكم ما لم تكونوا تعلمون﴾ قبل تعليمه من فرائضها وحقوقها، والكاف بمعنى مثل وما موصولة أو مصدرية.
جزء : ١ رقم الصفحة : ١٧٨
﴿والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً وصية لأزواجهم﴾ قرأ نافع وابن كثير وشعبة والكسائي وصية بالرفع أي : فعليهم وصية، والباقون بالنصب أي : فليوصوا وصية، وقوله تعالى :﴿متاعاً﴾ نصب على المصدر أي : متعوهنّ متاعاً أي : يتمتعن به من النفقة والكسوة ﴿إلى﴾ تمام ﴿الحول﴾ من موتهم الواجب عليهنّ تربصه، وقوله تعالى :﴿غير إخراج﴾ نصب على الحال أي غير مخرجات من مسكنهنّ. نزلت هذه الآية في رجل من أهل الطائف، يقال له الحكم بن الحارث، هاجر إلى المدينة وله أولاد ومعه أبواه وامرأته، فمات فأنزل الله هذه الآية، "فأعطى النبيّ ﷺ والديه وأولاده من ميراثه ولم يعط امرأته شيئاً وأمرهم أن ينفقوا عليها من تركة زوجها حولاً"، وكانت عدّة الوفاة في ابتداء الإسلام حولاً، وكان يحرم على الوارث إخراجها من البيت قبل تمام الحول، وكان نفقتها وسكناها واجبة في مال زوجها تلك السنة، ما لم تخرج ولم يكن لها الميراث، فإن خرجت من بيت زوجها سقطت نفقتها، وكان على الرجل أن يوصي بها، فكان كذلك حتى نزلت آية الميراث ففسخ الله تعالى نفقة الحول بالربع والثمن، ونسخ عدّة الحول بآية ﴿أربعة أشهر وعشراً﴾ السابقة.
فإن قيل : كيف نسخت الآية السابقة المتأخرة ؟
أجيب : بأنها متقدّمة في التلاوة متأخرة في النزول كما في قوله تعالى :﴿سيقول السفهاء﴾ (البقرة، ١٤٢) مع قوله :﴿قد نرى تقلب وجهك في السماء﴾ (البقرة، ١٤٤) ﴿فإن خرجن﴾ من قبل أنفسهنّ قبل الحول من غير إخراج الورثة ﴿فلا جناح عليكم﴾ يا أولياء الميت ﴿فيما فعلن في أنفسهنّ من معروف﴾ شرعاً كالتزين وترك الإحداد وقطع النفقة عنها، خيرها الله تعالى بين أن تقيم حولاً ولها النفقة والسكنى، وبين أن تخرج ولا نفقة لها ولا سكنى، إلى أن نسخه بأربعة أشهر وعشراً ﴿وا عزيز﴾ في ملكه ﴿حكيم﴾ في صنعه لا يسئل عما يفعل.
﴿
جزء : ١ رقم الصفحة : ١٨١
وللمطلقات متاع﴾
أي : يعطينه ﴿بالمعروف﴾ بقدر الإمكان وقوله تعالى :﴿حقاً﴾ نصب بفعله المقدّر ﴿على المتقين﴾ الله.
فإن قيل : لم كرر الله تعالى ذلك ؟
أجيب : بأنّ ذلك لحكمة، وهي أن الآية السابقة في غير
١٨١
الممسوسة وهذه أعم منها، فتشمل الممسوسة أيضاً.
﴿كذلك﴾ أي : كما بيّن لكم ما سبق من أحكام الطلاق والعدد ﴿يبيّن الله لكم آياته﴾ وعد سبحانه وتعالى أنه سيبيّن لعباده من الدلائل والأحكام ما يحتاجون إليه معاشاً ومعاداً، ﴿لعلكم تعقلون﴾ أي : تتدبرون فتستعملون العقل فيها وقوله تعالى :


الصفحة التالية
Icon