الشيطان يعدكم الفقر} أي : يخوّفكم به إن تصدّقتم ويقال : وعدته خيراً ووعدته شراً قال تعالى في الخير :﴿عدكم الله مغانم كثيرة﴾ (الفتح، ٢٠) وقال في الشر :﴿النار وعدها الله الذين كفروا﴾ (الحج، ٧٢) فإذا لم يذكر الخير والشر قلت : في الخير وعدته، وفي الشر : أوعدته والفقر سوء الحال وقلة ما في اليد وأصله من كسر الفقار ومعنى الآية أن الشيطان يخوّفكم بالفقر، ويقول للرجل : أمسك مالك فإنك إذا تصدّقت افتقرت.
﴿ويأمركم بالفحشاء﴾ أي : بالبخل ومنع الزكاة قال الكلبي : كل فحشاء في القرآن فهو الزناء إلا في هذا الموضع.
﴿وا يعدكم مغفرة منه﴾ لما وقع منكم من تقصير وفيه إشعار بأنه لا يقدر أحد أن يقدر الله حق قدره، لما له من الإحاطة بصفات الكمال، ولما جبل عليه الإنسان من النقص.
﴿وفضلاً﴾ بالزيادة في الدارين وكل نعمة منه فضل ثم أكد ذلك بقوله تعالى :﴿وا واسع﴾ فضله ﴿عليم﴾ بالمنفق وغيره.
وفيه إشارة إلى أنه لا يضيع شيئاً وإن دقّ، وعن ابن عباس وأبي هريرة رضي الله تعالى عنهم قال : قال رسول الله ﷺ "إنّ الله تعالى قال : يا ابن آدم أنفق أنفق عليك" وقال رسول الله ﷺ "يمين الله ملأى لا يغيضها نفقة سحاء الليل والنهار، أرأيتم ما أنفق مند خلق السموات والأرض
٢٠٧
فإنه لم ينقص ما في يمينه" قال :"وعرشه على الماء وبيده الأخرى القسط يرفع ويخفض" وعن أسماء أنّ رسول الله ﷺ قال :"أنفقي ولا تحصي فيحصي الله عليك ولا توعي فيوعى الله عليك".
﴿يؤتى الحكمة﴾ أي : العلم النافع المؤدي إلى العمل. وقال السدّي : هي النبوّة وقال ابن عباس وقتادة : علم القرآن ناسخه، ومنسوخه، ومحكمه، ومتشابهه، ومقدمه، ومؤخره وحلاله وحرامه وأمثال ذلك وقال الضحاك : هي القرآن والفهم فيه وقال : في القرآن مائة وتسع آيات ناسخة ومنسوخة وألف آية حلال وحرام لا يسع المؤمنين تركهن حتى يتعلموهنّ وقال مجاهد : هي القرآن والعلم والنفقة.
وقوله تعالى :﴿من يشاء﴾ مفعول أوّل أخر للاهتمام بالمفعول الثاني وهو الحكمة ﴿ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً﴾ لمصيره إلى السعادة الأبدية ﴿وما يذكر﴾ فيه إدغام التاء في الأصل في الذال أي : ما يتعظ بما قص من الآيات أي : ما يتفكر فإنّ المتفكر كالمتذكر لما أودع الله تعالى في قلبه من العلوم بالقوّة ﴿إلا أولوا الألباب﴾ أي : أصحاب العقول الخالصة من شوائب الوهم والركون إلى متابعة الهوى.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٢٠٥
﴿وما أنفقتم﴾ أي : أديتم ﴿من نفقة﴾ قليلة أو كثيرة سراً أو علانية زكاة أو صدقة تطوع ﴿أو
٢٠٨
نذرتم من نذر﴾ بشرط أو بغير شرط فوفيتم به ﴿فإنّ الله يعلمه﴾ فيجازيكم به.
فإن قيل : لِمَ وحّد الضمير في يعلمه وقد تقدّم شيئان : النفقة والنذر ؟
أجيب : بأنّ العطف بأو وهي لأحد الشيئين تقول : زيد أو عمرو أكرمته، ولا يجوز أكرمتهما بل يجوز أن يراعى الأول نحو زيد أو هند منطلق، والثاني نحو زيد أو هند منطلقة، والآية من هذا، ومن مراعاة الأوّل ﴿وإذا رأوا تجارة أو لهواً انفضوا إليها﴾ (الجمعة، ١١) ولا يجاز أن يقال : منطلقان ولهذا أوجل النحاة قوله تعالى :﴿إن يكن غنياً أو فقيراً فا أولى بهما﴾ (النساء، ١٣٥) كما سيأتي إن شاء الله تعالى ﴿وما للظالمين﴾ بمنع الزكاة والنذر أو بوضع الإنفاق في غير محله من معاصي الله تعالى ﴿من أنصار﴾ أي : من ينصرهم من الله ويمنعهم من عذابه فهو على طريق التوزيع والمقابلة أي : لا ناصر لظالم قط فسقط ما يقال إنّ نفي الأنصار لا يوجب نفي الناصر.
﴿إن تبدوا﴾ أي : تظهروا ﴿الصدقات﴾ أي : النوافل ﴿فنعما هي﴾ أي : فنعم شيئاً إبداؤها، وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي بفتح النون، والباقون بكسرها، وقرأ قالون وأبو عمرو باختلاس كسرة العين، والباقون بالكسرة الكاملة.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٢٠٨