وحكي عن الحسن أن لقمان قال لابنه : يا بنيّ لا تكن أعجز من هذا الديك يصوّت في الأسحار وأنت نائم على فراشك. وعن زيد بن أسلم أنه قال : هم الذين يصلون الصبح في جماعة. وعبر بالسحر لقربه من الصبح.
﴿شهد الله﴾ أي : بين لخلقه بالدلائل وإنزال الآيات ﴿أنه لا إله﴾ أي : لا معبود بحق في الوجود ﴿إلا هو﴾ قال الكلبيّ :"قدم حبران من أحبار الشام على النبيّ ﷺ فلما أبصرا المدينة قال أحدهما لصاحبه : ما أشبه هذه المدينة بصفة مدينة النبيّ ﷺ الذي يخرج في آخر الزمان، فلما دخلا عليه عرفاه بالصفة فقالا له : أنت محمد ؟
قال : نعم قالا له : وأنت أحمد ؟
قال : أنا محمد وأحمد قالا : فإنا نسألك عن شيء، فإن أخبرتنا به آمنا بك وصدّقناك فقال لهما : سلا قالا : أخبرنا عن أعظم شهادة في كتاب الله عز وجل، فأنزل الله هذه الآية فأسلم الرجلان". وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : خلق الله الأرواح قبل الأجساد بأربعة آلاف سنة، وخلق الله الأرزاق قبل الأرواح بأربعة آلاف سنة، فشهد لنفسه بنفسه قبل أن يخلق الخلق حين كان ولم يكن سماء ولا أرض ولا برّ ولا بحر فقال : شهد الله أنه لا إله إلا هو ﴿و﴾ شهد بذلك ﴿الملائكة﴾ أي : أقرّوا بذلك ﴿و﴾ شهد بذلك ﴿أولو العلم﴾ أي : بالإيمان بذلك والاحتجاج عليه.
فإن قيل : ما المراد بأولي العلم الذين عظمهم الله تعالى هذا التعظيم حيث جمعهم معه ومع الملائكة في الشهادة على وحدانيته وعدله ؟
أجيب : بأنّ المراد بهم أنهم الذين يثبتون وحدانيته وعدله بالحجج الساطعة والبراهين القاطعة وهم علماء العدل والتوحيد من الأنبياء والمؤمنين وفيه دليل على فضل علم أصول الدين وشرف أهله وقوله تعالى :﴿قائماً﴾ أي : بتدبير مصنوعاته حال من الله وإنما جاز إفراده تعالى بها لعدم اللبس، وإن اختلف في جاءني زيد وعمرو راكباً فقد منعه الزمخشري وتبعه البيضاويّ وجوّزه أبو حيان وقال : يحمل على الأقرب كما في الوصف في نحو جاءني زيد وعمرو الطويل أو حال من هو والعامل فيها معنى الجملة أي : تفرّد ﴿بالقسط﴾ أي : بالعدل وقوله تعالى :﴿لا إله إلا هو﴾ كرّر للتأكيد ومزيد الاعتناء بمعرفة أدلة التوحيد والحكم به بعد إقامة الحجة وليبنى عليه قوله تعالى :﴿العزيز﴾ أي : في ملكه ﴿الحكيم﴾ أي : في صنعه فيعلم أنه الموصوف بهما، وقدم العزيز ؛ لأن العزة تلائم الوحدانية والحكمة تلائم القيام بالقسط فأتى بهما لتقرير الأمرين على ترتيب ذكرهما ورفعهما على البدل من الضمير الأوّل أو الثاني أو على الخبر المحذوف.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٢٣٢
وعن أبي غالب القطان قال : أتيت الكوفة في تجارة فنزلت قريباً من الأعمش، وكنت أختلف إليه، فلما كنت ذات ليلة أردت أن أنحدر إلى البصرة فقام من الليل يتهجد فمرّ بهذه الآية، أي : شهد الله إلى آخرها ثم قال الأعمش : وأنا أشهد بما شهد الله به وأستودع الله هذه الشهادة وهي لي عند الله وديعة إن الدين عند الله الإسلام قالها مراراً قلت : لقد سمع فيها فصليت معه وودّعته ثم قلت : إني سمعتك تردّدها فما بلغك فيها ؟
قال : والله لا أحدّثك بها إلى سنة فمكثت على بابه ذلك اليوم وأقمت سنة فلما مضت السنة قلت : يا أبا محمد قد مضت السنة فقال : حدّثني أبو وائل عن
١٣٤
عبد الله قال : قال رسول الله ﷺ "يجاء بصاحبها يوم القيامة فيقول الله : إن لعبدي هذا عندي عهداً وأنا أحق من وفى بالعهد أدخلوا عبدي الجنة"، روى هذا الحديث الطبراني والبيهقيّ لكن بسند ضعيف وقوله تعالى :