﴿إن الدين﴾ أي : المرضي ﴿عند الله﴾ هو ﴿الإسلام﴾ جملة مستأنفة مؤكدة للأولى أي : لا دين مرضي عند الله سوى الإسلام وهو الشرع المبعوث به الرسل كما قال تعالى :﴿ورضيت لكم الإسلام ديناً﴾ (المائدة، ٣) وقال تعالى :﴿ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين﴾ (آل عمران، ٨٥) وقرأ الكسائي بفتح الهمزة إن قيل على أنه بدل من أنه إلخ.. بدل اشتمال وضعفه أبو حيان ؛ لأن فيه فصلاً بين البدل والمبدل منه بأجنبي قال : والصواب أنه معمول للحكيم بإسقاط الجار أي : الحكيم بأن الدين، والباقون بكسرها على الإستئناف ﴿وما اختلف الذين أوتوا الكتاب﴾ أي : من اليهود والنصارى وقيل : من أرباب الكتب المتقدّمة في دين الاسلام فقال قوم : إنه حق. وقال قوم : إنه مخصوص بالعرب ونفاه آخرون مطلقاً أو في التوحيد فثلثت النصارى. وقالت اليهود : عزير ابن الله وقالوا : كنا أحق بأن تكون النبوّة فينا من قريش ؛ لأنهم أميون ونحن أهل الكتاب ﴿إلا من بعد ما جاءهم العلم﴾ بالتوحيد أنه الحق الذي لا محيد عنه ﴿بغياً﴾ أي : ما كان الاختلاف وتظاهر هؤلاء بمذهب وهؤلاء بمذهب إلا حسداً ﴿بينهم﴾ وطلباً للرياسة. وقيل : هو اختلاف في نبوّة محمد ﷺ من بعد ماجاءهم العلم ببيان بعثته في كتبهم حيث آمن به بعض وكفر به بعض وقيل : هو إختلافهم في الإيمان بالأنبياء فمنهم من آمن بموسى ومنهم من آمن بعيسى ولم يؤمن ببقية الأنبياء وقوله تعالى :﴿ومن يكفر بآيات الله فإن الله سريع الحساب﴾ أي : المجازاة له وعيد لمن كفر منهم.
﴿
جزء : ١ رقم الصفحة : ٢٣٢
فإن حاجوك﴾ أي : جادلك الذين كفروا يا محمد في الدين ﴿فقل﴾ لهم ﴿أسلمت وجهي ﴾ أي : أخلصت نفسي وجملتي لله وحده لم أجعل فيهما لغيره شركاً بأن أعبده ولا أدعو إلهاً معه يعني : أن ديني دين التوحيد وهو الدين القويم الذي ثبت عندكم صحته كما ثبت عندي، وما جئت بشيء مبتدع حتى تجادلوني فيه وخص الوجه بالذكر لشرفه فهو تعبير عن جملة الشخص بأشرف أجزائه الظاهرة وقوله تعالى :﴿ومن اتبعن﴾ عطف على التاء في أسلمت وحسن للفاصل ويجوز كما قال في "الكشاف" أن تكون الواو بمعنى مع فيكون مفعولاً معه أي : نظراً إلى أن المشاركة بين المتعاطفين في مطلق الإسلام أي : الإخلاص لا فيه بقيد وجهه حتى يمتنع ذلك لاختلاف وجهيهما ﴿وقل للذين أوتوا الكتاب﴾ وهم اليهود والنصارى ﴿والأمّيين﴾ أي : الذين لا كتاب لهم وهم مشركو العرب ﴿أأسلمتم﴾ أي : فهل أسلمتم ما أسلمت أنا فقد أتاكم من البينات ما يوجب الإسلام ويقتضي حصوله لا محالة، أم أنتم بعد على الكفر وهذا كقولك لمن لخصت له المسألة ولم تبق من طرق البيان والكشف طريقاً إلا سلكته هل فهمتها ؟
وفي هذا الإستفهام استقصار وتعيير بالمعاندة وقلة الإنصاف ؛ لأن المنصف إذا انجلت له الحجة لم يتوقف إذعاناً للحق وكذلك في هل فهمتها ؟
توبيخ بالبلادة. وقيل : المراد بالإستفهام هنا الأمر أي : أسلموا كما قال تعالى :﴿فهل أنتم منتهون﴾ (المائدة، ٩١) أي : انتهوا ﴿فإن أسلموا فقد اهتدوا﴾ أي : نفعوا أنفسهم حيث خرجوا من
٢٣٥
الضلال إلى الهدى، ومن الظلمة إلى النور فقرأ رسول الله ﷺ هذه الآية فقال أهل الكتاب : أسلمنا فقال لليهود :"أتشهدون أنّ عيسى كلمة الله وعبده ورسوله ؟
فقالوا : معاذ الله. وقال للنصارى : أتشهدون أن عيسى عبد الله ورسوله فقالوا : معاذ الله أن يكون عيسى عبداً" فقال عز وجل ﴿وإن تولوا﴾ أي : عن الإسلام لم يضرّوك ﴿فإنما عليك البلاغ﴾ أي : فإنك رسول منبه ما عليك إلا أن تبلغ الرسالة وتنبه على طريق الهدى وقد بلغت وليس إليك الهداية ﴿وا بصير بالعباد﴾ أي : عالم بمن يؤمن، وبمن لا يؤمن فيجازي كلاً منهم بعمله، وهذا قبل الأمر بالقتال.
﴿إنّ الذين يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير حق ويقتلون الذين يأمرون بالقسط﴾ أي : بالعدل ﴿من الناس﴾ وهم اليهود قتل أوّلهم الأنبياء وقتلوا أتباعهم، ومن في عصره ﷺ كفروا به وقصدوا قتله ﷺ والمؤمنين لكن الله تعالى عصمهم.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٢٣٢
وعن أبي عبيدة بن الجرّاح قلت :"يا رسول الله أي الناس أشدّ عذاباً يوم القيامة ؟
قال رجل قتل نبياً أو رجلاً أمر بمعروف ونهى عنه". وروي أنهم قتلوا ثلاثة وأربعين نبياً فنهاهم مائة وسبعون من عبادهم فقتلوهم من يومهم وخبر إن ﴿فبشرهم﴾ أي : أعلمهم ﴿بعذاب أليم﴾ أي : مؤلم وذكر البشارة تهكم بهم.
فإن قيل : لم أدخل الفاء في خبر إن مع أنه لا يقال أن زيداً فقائم أجيب : بأن الموصول متضمن معنى الشرط فكأنه قيل : الذين يكفرون فبشرهم بمعنى من يكفر فبشرهم.
﴿أولئك الذين حبطت أعمالهم﴾ أي : ما عملوه من خير كصدقة وصلة رحم ﴿في الدنيا والآخرة﴾ فلا يعتدّ بها لعدم شرطها ﴿وما لهم من ناصرين﴾ أي : مانعين عنهم العذاب.