وإما بخروج المنيّ في وقت إمكانه وأقله تسع سنين قمرية تحديدية سواء أخرج في نوم أم يقظة بجماع أو غيره وتزيد المرأة على هذين الأمرين الحيض لوقت إمكانه وأقله تسع سنين قمرية تقريبية فيغتفر فيها زمن لا يسع حيضاً وطهراً، والولادة لأنها يسبقها الإنزال ويحكم بالبلوغ قبلها بستة أشهر وشيء وإنبات شعر العانة الخشن دليل للبلوغ في حق الكفار لا في حق المسلمين ولا عبرة بإنبات شعر الإبط واللحية.
﴿
جزء : ١ رقم الصفحة : ٣٢٠
فإن آنستم﴾
أي : أبصرتم ﴿منهم رشداً﴾ وهو صلاح الدين والمال، أما صلاح الدين فلا يرتكب محرّماً يسقط العدالة من كبيرة أو إصرار على صغيرة ويعتبر في رشد الكافر دينه، وأما صلاح المال فلا يضيعه بإلقائه في بحر أو يصرفه في محرم، أو باحتمال الغبن الفاحش في المعاملة ونحوها، وليس صرفه في الخير بتبذير ولا صرفه في الثياب والأطعمة النفيسة وشراء الجواري والاستمتاع بهنّ ؛ لأنّ المال يتخذ لينتفع به، نعم إن صرفه في ذلك بطريق الاقتراض له حرم عليه ﴿فادفعوا إليهم أموالهم﴾ من غير تأخير ﴿ولا تأكلوها﴾ أيها الأولياء وقوله تعالى :﴿إسرافاً﴾ أي : بغير حق ﴿وبداراً﴾ حالان أي : مسرفين ومبادرين إلى إنفاقها مخافة ﴿أن يكبروا﴾ رشداء فيلزمكم تسليمها إليهم ﴿ومن كان﴾ من الأولياء ﴿غنياً فليستعفف﴾ أي : يعف عن مال اليتيم ويمتنع من أكله ﴿ومن كان فقيراً فليأكل﴾ منه ﴿بالمعروف﴾ أي : بقدر الأقلّ من حاجته وأجرة سعيه كما مرّ، ولفظ
٣٢٥
الاستعفاف والأكل بالمعروف مشعر بأن الوليّ له حق في مال الصبي.
وروى النسائيّ وغيره أنّ رجلاً قال للنبيّ ﷺ إنّ في حجري يتيماً أفآكل من ماله ؟
قال :"بالمعروف".
تنبيه : إيراد هذا التقسيم بعد قوله :﴿ولا تأكلوها﴾ يدل على أنه نهي للأغنياء منهم أن لا يأخذوا لأنفسهم من أموال اليتامى شيئاً، وللفقراء منهم أن لا يأخذوا منها شيئاً بغير المعروف، كما أنّ قوله :﴿ولا تأكلوها إسرافاً وبداراً أن يكبروا﴾ يدل على أنه نهي للفريقين عن أكلها إسرافاً ومبادرة لكبرهم ﴿فإذا دفعتم إليهم﴾ أي : اليتامى ﴿أموالهم فأشهدوا﴾ ندباً ﴿عليهم﴾ بأنهم قبضوها، فإنّ الإشهاد أنفى للتهمة وأبعد من الخصومة فتحتاجون إلى البينة وهذا يدلّ على أنّ القيم لا يصدّق في دعواه الدفع ولو أبى إلا ببينة وهو مذهب الشافعيّ ومالك خلافاً لأبي حنيفة ﴿وكفى با حسيباً﴾ أي : حافظاً الأعمال خلقه ومحاسبتهم.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٣٢٠
﴿للرجال﴾ أي : الذكور ﴿نصيب﴾ أي : حظ ﴿مما ترك الوالدان والأقربون﴾ أي : المتوفون ﴿وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه﴾ أي : المال ﴿أو كثر﴾ جعله الله ﴿نصيباً مفروضاً﴾ أي : مقطوعاً بتسليمه إليهم.
روي أن أوس بن ثابت الأنصاري رضي الله تعالى عنه توفي وترك امرأته أم كحة ـ بضمّ الكاف والحاء المشدّدة ـ وثلاث بنات له منها فقام رجلان هما ابنا عمّ الميت ووصياه سويد وعرفجة فأخذا ماله ولم يعطيا امرأته ولا بناته شيئاً، وكان أهل الجاهلية لا يورّثون النساء ولا الصغار وإن كان الصغير ذكراً إنما كانوا يورثون الرجال ويقولون : لا نعطي إلا من قاتل وحاز الغنيمة، فجاءت أمّ كحة إلى رسول الله ﷺ في مسجد الفضيخ ـ وهو بالضاد والخاء المعجمتين، موضع بالمدينة، قيل : لعله المسجد الذي كان يسكنه أصحاب الصفة ؛ لأنهم كانوا يرضخون فيه النوى ـ فشكت إليه فقالت : يا رسول الله إنّ أوس بن ثابت مات وترك علي ثلاث بنات، وأنا امرأته وليس عندي ما أنفق عليهنّ وقد ترك أبوهن مالاً حسناً وهو عند سويد وعرفجة لم يعطياني ولا بناته شيئاً، وهن في حجري لا يطعمن ولا يسقين، فدعاهما رسول الله ﷺ فقالا : يا رسول الله ولدها لا يركب فرساً ولا يحمل كلأ ولا ينكي عدوّاً، فنزلت هذه الآية، فأثبتت لهنّ الميراث فقال رسول الله ﷺ "لا تقربا من مال أوس شيئاً فإنّ الله جعل لبناته نصيباً مما ترك ولم يبين كم هو حتى أنظر ما ينزل فيهنّ" فأنزل الله تعالى ﴿يوصيكم الله في أولادكم﴾ فأعطى ﷺ أمّ كحة الثمن والبنات الثلثين والباقي ابني العمّ" وهذا دليل على جواز تأخير البيان عن الخطاب ﴿وإذا حضر القسمة﴾ للميراث ﴿أولو القربى﴾ أي : ذوو القرابة ممن لا يرث ﴿واليتامى والمساكين فارزقوهم﴾ أي : أعطوهم ﴿منه﴾ أي : المقسوم شيئاً قبل القسمة تطييباً لقلوبهم وتصدّقاً عليهم، وهو أمر ندب للبلغ من الورثة، وقيل : أمر وجوب.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٣٢٦
واختلف العلماء في حكم هذه الآية فقال قوم : هي منسوخة بآية المواريث كالوصية، وعن سعيد بن جبير : إنّ ناساً يقولون : نسخت والله ما نسخت ولكنها مما تهاون بها الناس {وقولوا لهم
٣٢٦


الصفحة التالية
Icon