قال الزمخشريّ : والعضل الحبس والضيق ومنه عضلت المرأة بولدها إذا اختنقت رحمها به فخرج بعضه وبقي بعضه ﴿إلا أن يأتين بفاحشة مبينة﴾ كالزنا والنشوز وسوء العشرة، فحينئذٍ يحل لكم إضرارهنّ ليفتدين منكم قال عطاء : كان الرجل إذا أصابت امرأته فاحشة أخذ منها ما ساق إليها وأخرجها فنسخ ذلك بالحدود، وقرأ ابن كثير وشعبة بفتح الياء المثناة تحت والباقون بالكسر وقوله تعالى :﴿وعاشروهنّ بالمعروف﴾ قال الحسن : رجع إلى أوّل الكلام يعني وآتوا النساء صدقاتهنّ نحلة وعاشروهنّ بالمعروف وهو النصفة في المبيت والنفقة والإجمال في القول وقيل : هو أن يتصنع لها كما تتصنع له ﴿فإن كرهتموهنّ﴾ فاصبروا ولا تفارقوهنّ ﴿فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً﴾ أي : فربما كرهت النفس ما هو أصلح في الدين وأحمد وأدنى إلى الخير وأحبت ما هو بضدّ ذلك وليكن نظركم ما هو أصلح للدين وأدنى إلى الخير فلعل أن يرزقكم الله تعالى منهنّ ولداً صالحاً أو يعطفكم الله عليهنّ وقد بينت الآية جواز إمساك المرأة مع الكراهة لها ونبهت على معنيين :
أحدهما أنّ الإنسان لا يعلم وجوه الصلاح :
والثاني أنّ الإنسان لا يكاد يجد محبوباً ليس فيه ما يكره فليصبر على ما يكره لما يحب وأنشدوا في هذا المعنى :
*ومن لم يغمض عينه عن صديقه ** وعن بعض ما فيه يمت وهو عائب*
*ومن يتتبع جاهداً كل عثرة ** يجدها ولم يسلم له الدهر صاحب*
٣٣٤
ولما كان الرجل إذا طمحت عينه إلى استظراف امرأة بهت بالتي تحته ورماها بفاحشة حتى يلجئها إلى الافتداء منه بما أعطاها ليصرفه إلى زوج غيرها نزل.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٣٣١
﴿وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج﴾ أي : أخذها بدلها بأن طلّقتموها﴿و﴾ قد ﴿آتيتم إحداهنّ﴾ أي : الزوجات ﴿قنطاراً﴾ أي : مالاً كثيراً صداقاً ﴿فلا تأخذوا منه﴾ أي : القنطار ﴿شيئاً﴾ وقوله تعالى :﴿أتأخذونه بهتاناً﴾ أي : ظلماً ﴿وإثماً مبيناً﴾ أي : بيناً حال أي : أتأخذونه باهتين وآثمين، وعن عمر رضي الله تعالى عنه أنه قام خطيباً فقال : أيها الناس لا تغالوا بصداق النساء فلو كان مكرمة في الدنيا أو تقوى عند الله لكان أولاكم بها رسول الله ما أصدق امرأة من نسائه أكثر من اثنتي عشرة أوقية فقامت إليه امرأة فقالت له : يا أمير المؤمنين لِمَ تمنعنا حقاً جعله الله لنا والله تعالى يقول :﴿وآتيتم إحداهنّ قنطاراً﴾ فقال عمر رضي الله تعالى عنه : كل أحد أعلم من عمر ثم قال لأصحابه : تسمعونني أقول مثل هذا القول ولا تنكرونه عليّ حتى تردّ عليّ امرأة ليست من أعلم النساء.
وقوله تعالى :
﴿وكيف تأخذونه﴾ استفهام توبيخ وإنكار أي : تأخذونه بأي وجه ﴿وقد أفضى﴾ أي : وصل ﴿بعضكم إلى بعض﴾ بالجماع المقرّر للمهر وكنى الله تعالى عن الجماع بالإفضاء وهو الوصول إلى الشيء من غير واسطة تعليماً لعباده ؛ لأنه مما يستحيا منه ﴿وأخذن منكم ميثاقاً﴾ أي : عهداً ﴿غليظاً﴾ أي : شديداً وهو ما أخذه الله للنساء على الرجال من إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان، وعن النبيّ ﷺ "اتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهنّ بأمانة الله واستحللتم
٣٣٥
فروجهنّ بكلمة الله". وقد قيل : صحبة عشرين يوماً قرابة فكيف بما جرى بين الزوجين من الاتحاد والامتزاج. ولما توفي أبو قيس وكان من صالحي الأنصار خطب ابنه قيس امرأة أبيه وكان أهل الجاهلية ينكحون أزواج آبائهم فقالت : إني أعدّك ولداً وأنت من صالحي قومك، ولكني آتي رسول الله ﷺ أستأمره فأتته وأخبرته بذلك فنزل.
﴿
جزء : ١ رقم الصفحة : ٣٣٥
ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء﴾
وإنما عبر بما دون من ؛ لأنه أريد به صفة ذات معينة وهي كونهنّ منكوحات الآباء، وقيل : ما مصدرية على إرادة المفعول من المصدر وقوله تعالى :﴿إلا ما قد سلف﴾ استثناء من المعنى اللازم للنهي فكأنه قيل : تستحقون العقاب بنكاح ما نكح آباؤكم إلا ما قد سلف أو من اللفظ للمبالغة في التحريم، والمعنى : لا تنكحوا حلائل آبائكم إلا ما قد سلف إن أمكنكم أن تنكحوه ولا يمكن ذلك والغرض المبالغة في تحريمه وسدّ الطريق إلى إباحته كما يعلق بالمحال في التأبيد في نحو قوله تعالى :﴿حتى يلج الجمل في سم الخياط﴾ (الأعراف، ٤٠)


الصفحة التالية
Icon