أو منقطع أي : لكن ما قد سلف من فعلكم ذلك فإنه معفو عنه وقوله تعالى :﴿إنه﴾ أي : نكاحهنّ ﴿كان فاحشة ومقتاً﴾ علة للنهي أي : إنه فاحشة فكان مزيدة أي : قبيحاً عند الله تعالى ما رخص فيه لأمّة من الأمم ممقوتاً عند ذوي المروءات من الجاهلية وغيرهم وكانت العرب تقول لولد الرجل من امرأة أبيه : المقتى ويسمي به الرجل المذكور أيضاً قال في "القاموس" : نكاح المقت أن يتزوّج امرأة أبيه بعده فالمقتى ذلك المتزوّج أو ولده أي : ومن ثم قيل : ومقتاً كأنه قيل : هو فاحشة في دين الله بالغة في القبح قبيح ممقوت في المروءة ولا مزيد على ما يجمع القبحين ﴿وساء﴾ أي : بئس ﴿سبيلاً﴾ أي : طريقاً ذلك، روي عن البراء بن عازب أنه قال :"مرّ بي خالي ومعه لواء فقلت : أين تذهب ؟
فقال : بعثني رسول الله ﷺ إلى رجل تزوّج امرأة أبيه آتيه برأسه".
واعلم أن أسباب التحريم المؤبد ثلاثة : قرابة ورضاع ومصاهرة وضابط المحرمات بالنسب والرضاع أن يقال : محرم نساء القرابة إلا من دخلت تحت ولد العمومة أو ولد الخؤولة وقد بدأ الله بالسبب الأوّل وهو القرابة فقال :
﴿حرّمت عليكم أمهاتكم﴾ أي : العقد عليهنّ وكذلك يقدّر في الباقي ؛ لأن تحريم نكاحهنّ هو الذي يفهم من تحريمهنّ كما يفهم من تحريم الخمر تحريم شربها ومن تحريم لحم الخنزير تحريم أكله.
والأمّهات جمع أمّ وأصلها أمّهة، قاله الجوهريّ. وضابط الأمّ هي كل من ولدتك فهي أمّك حقيقة أو ولدت من ولدك ذكراً كان أو أنثى كأم الأب وإن علت وأمّ الأمّ كذلك فهي أمّك مجازاً، وإن شئت قلت : هي كل أنثى ينتهي إليها نسبك ﴿وبناتكم﴾ جمع بنت وضابطها هو كل من ولدتها فهي بنتك حقيقة أو ولدت من ولدها ذكراً كان أو أنثى كبنت ابن وإن نزل وبنت بنت وإن نزلت فبنتك مجازاً وإن شئت قلت : كل أنثى ينتهي إليك نسبها، وخرج بالبنت المخلوقة من ماء زنا الرجل فإنها تحل له ؛ لأنها أجنبية عنه بدليل منع الإرث بالإجماع فلا تتبعض الأحكام ويحرم على
٣٣٦
المرأة ولدها من زنا بالإجماع كما أجمعوا على أنه يرثها.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٣٣٥
والفرق أن الابن كالعضو منها وانفصل منها إنساناً ولا كذلك النطفة التي خلقت منها البنت بالنسبة للأب ﴿وأخواتكم﴾ جمع أخت وضابطها هو كل من ولدها أبواك أو أحدهما فهي أختك ﴿وعماتكم﴾ جمع عمة، وضابطها : هو كل من هي أخت ذكر ولدك بلا واسطة فعمتك حقيقة أو بواسطة كعمة أبيك فعمتك مجازاً وقد تكون العمة من جهة الأمّ كأخت أبي الأمّ ﴿وخالاتكم﴾ جمع خالة وضابطها هو كل من هي أخت أنثى ولدتك بلا واسطة فخالتك حقيقة، أو بواسطة كخالة أمّك فخالتك مجازاً، وقد تكون الخالة من جهة الأب كأخت أمّ الأب ﴿وبنات الأخ وبنات الأخت﴾ من جميع الجهات وبنات أولادهم وإن سفلن.
ثم ثنى بالسبب الثاني وهو الرضاع فقال :﴿وأمّهاتكم اللاتي أرضعنكم﴾ وضابط أمّك من الرضاع هو : كل من أرضعتك أو أرضعت من أرضعتك أو صاحب اللبن أو أرضعت من ولدك بواسطة أو غيرها أو ولدت مرضعتك بواسطة أو غيرها أو صاحب لبنها وهو الفحل بواسطة أو غيرها فأمّ رضاع ﴿وأخواتكم من الرضاعة﴾ وضابط أخت الرضاع هو كل من أرضعتها أمّك أو ارتضعت بلبن أبيك أو ولدتها مرضعتك أو ولدها الفحل ويلحق بذلك بالسنة باقي السبع لخبر الصحيحين :"يحرم من الرضاع ما يحرم من الولادة"، وفي رواية :"حرموا من الرضاعة ما يحرم من الولادة"، وفي رواية :"حرموا من الرضاعة ما يحرم من النسب".
وضابط بنت الرضاع هو كل أنثى ارتضعت لبنك أو لبن من ولدته بواسطة أو غيرها أو أرضعتها امرأة ولدتها بواسطة أو غيرها وكذا بناتها من نسب أو رضاع وإن سفلن، وضابط عمة الرضاع هو كل أخت للفحل أو أخت ذكر ولد الفحل بواسطة أو غيرها من نسب أو رضاع.
وضابط خالة الرضاع هو كل أخت للمرضعة أو أخت أنثى ولدت المرضعة بواسطة أو غيرها من نسب أو رضاع، وضابط بنات الإخوة وبنات الأخوات من الرضاع : كل أنثى من بنات أولاد المرضعة والفحل من الرضاع والنسب، وكذا كل أنثى أرضعتها أختك أو ارتضعت بلبن أخيك وبناتها وبنات أولادها من نسب أو رضاع، وإنما تثبت حرمة الرضاع بشرطين :
أحدهما أن يكون قبل استكمال المولود حولين لقوله تعالى :﴿والوالدات يرضعن أولادهنّ حولين كاملين﴾ (البقرة، ٢٣٣)
ولقوله ﷺ "لا يحرم من الرضاع إلا ما فتق الأمعاء"، وعن ابن مسعود عن النبيّ ﷺ "لا رضاع إلا ما أنشر العظم وأنبت اللحم" وإنما يكون هذا في حال الصغر، وعند أبي حنيفة مدّة الرضاع ثلاثون شهراً لقوله تعالى :﴿وحمله وفصاله ثلاثون شهراً﴾ (الأحقاف، ١٥)
جزء : ١ رقم الصفحة : ٣٣٥
وهي عند الأكثرين لأقل مدّة الحمل وأكثر مدّة الرضاع وأقل مدّة الحمل ستة أشهر وابتداء الحولين من تمام انفصاله. والشرط الثاني : أن توجد خمس رضعات متفرّقات، لما روي عن عائشة رضي
٣٣٧


الصفحة التالية
Icon