الله تعالى عنها أنها قالت : فيما أنزل الله في القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن ثم نسخت بخمس معلومات فتوفي رسول الله ﷺ وهي فيما يقرأ من القرآن أي : يقرؤهنّ من لم يبلغه نسخهنّ فقد نسخت تلاوتهنّ وبقي حكمهنّ، وهذا ما ذهب إليه الشافعي، وذهب أكثر أهل العلم إلى أن قليل الرضاع وكثيره محرم، وهو قول ابن عباس وابن عمر وسعيد بن المسيب، وإليه ذهب سفيان الثوري ومالك والأوزاعي وعبد الله بن المبارك وأبو حنيفة، ويقوي الأوّل قوله ﷺ "لا تحرم المصة من الرضاع والمصتان".
ثم ثلث بالسبب الثالث وهو النكاح فقال تعالى :﴿وأمّهات نسائكم﴾ أي : بواسطة أو بغيرها من نسب أو رضاع سواء أدخل بزوجته أم لا لإطلاق الآية ﴿وربائبكم﴾ جمع ربيبة وهي بنت الزوجة من غيره وسميت ربيبة ؛ لأنه يربيها كما يربي ولده في غالب الأمر، ثم اتسع فيه وسميت بذلك وإن لم يربها وقوله تعالى :﴿اللاتي في حجوركم﴾ أي : تربونها صفة موافقة للغالب فلا مفهوم لها ﴿من نسائكم اللاتي دخلتم بهنّ﴾ أي : جامعتموهنّ سواء أكان ذلك بعقد صحيح أم فاسد لإطلاق الآية ﴿فإن لم تكونوا دخلتم بهنّ فلا جناح عليكم﴾ أي : في نكاح بناتهنّ إذا فارقتموهنّ.
فإن قيل : لم أعيد الوصف إلى الجملة الثانية ولم يعد إلى الجملة الأولى ﴿وهي وأمّهات نسائكم﴾ مع أنّ الصفات عقب الجمل تعود إلى الجميع ؟
أجيب : بأنّ نساءكم الثاني مجرور بحرف الجرّ، ونساءكم الأول مجرور بالإضافة، وإذا اختلف العامل لم يجز الإتباع وتعين القطع واعترض بأنّ المعمول الجرّ وهو واحد.
تنبيه : قضية كلام الشيخ أبي حامد وغيره أنه يعتبر في الدخول أن يقع في حياة الأمّ فلو ماتت قبل الدخول ووطئها بعد موتها لم تحرم بنتها ؛ لأنّ ذلك لا يسمى دخولاً وإن تردّد فيه الروياني.
فإن قيل : لِمَ لم يعتبر الدخول في تحريم أصول البنت واعتبر في تحريمها الدخول ؟
أجيب : بأنّ الرجل يبتلى عادة بمكالمة أمّها عقب العقد لترتيب أموره فحرمت بالعقد ليسهل ذلك عليه بخلاف بنتها واستدخال الماء المحترم يثبت المصاهرة كالوطء، وتحرم البنت المنفية باللعان وإن لم يدخل بأمّها ؛ لأنها لا تنتفي عنه قطعاً ﴿وحلائل﴾ أي : أزواج ﴿أبنائكم﴾ واحدتها حليلة والذكر حليل سميا بذلك ؛ لأن كل واحد منهما حلال لصاحبه، وقيل : سميا بذلك ؛ لأن كل واحد يحلّ إزار صاحبه من الحل وهو ضدّ العقد وقوله تعالى :﴿الذين من أصلابكم﴾ احتراز عن حليلة المتبنى فإنها لا تحرم على الرجل الذي تبناه، فإن النبيّ ﷺ تزوّج امرأة زيد بن حارثة وكان تبناه ﷺ لا عن حليلة ولده من الرضاع فإنها تحرم عليه، ولا عن حلائل أبناء الولد وإن سفلوا.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٣٣٥
تنبيه : كل امرأة تحرم عليك بعقد النكاح تحرم بالوطء في ملك اليمين والوطء بشبهة النكاح، فإذا وطىء امرأة بشبهة أو جارية بملك اليمين حرم على الواطىء أمّها وبنتها، وتحرم الموطوءة على أبي الواطىء وابنه، ولو زنى بامرأة لم تحرم أمّها ولابنتها على الزاني ولا تحرم الزانية على أبي الزاني وابنه كما قاله ابن عباس، وإليه ذهب مالك والشافعيّ، وذهب قوم إلى التحريم.
٣٣٨
يروي ذلك عن عمران بن حصين وأبي هريرة وهو قول أصحاب الرأي. وهل المباشرة بشهوة كلمس وقبلة كالوطء في تحريم الربيبة ؟
فيه قولان :
أحدهما : وهو الأصح من مذهب الشافعيّ لا ؛ لأنّ ذلك لا يوجب العدّة، فكذا لا يوجب الحرمة.
والثاني : نعم ؛ لأنّ ذلك كالوطء بجامع التلذذ بالمرأة ؛ ولأنه استمتاع يوجب الفدية على المحرم فكان كالوطء وبهذا قال جمهور العلماء.


الصفحة التالية
Icon