ثم ذكر سبحانه وتعالى تحريم الجمع بقوله تعالى :﴿وأن تجمعوا بين الأختين﴾ أي : ولا يجوز للرجل أن يجمع بين أختين في نكاح سواء كانتا من نسب أم رضاع سواء أنكحهما معاً أم مترتباً، فإذا نكح امرأة، ثم طلقها بائناً جاز له نكاح أختها، وخرج بالجمع في النكاح الجمع بملك اليمين، فإنه جائز لكن لا يجوز أن يجمع بينهما في الوطء فإذا وطىء إحداهما لم يحل له وطء الأخرى حتى يحرّم الأولى على نفسه، ويلحق بالأختين بالسنة الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها من نسب أو رضاع ولو بواسطة، قال ﷺ "لا تنكح المرأة على عمتها ولا العمة على بنت أخيها ولا المرأة على خالتها ولا الخالة على بنت أختها لا الكبرى على الصغرى ولا الصغرى على الكبرى"، رواه الترمذي وغيره وصححوه ؛ ولما فيه من قطيعة الرحم، وإن رضيت بذلك، فإن الطبع يتغير وإليه أشار ﷺ في خبر النهي عن ذلك بقوله :"إنكم إذا فعلتم ذلك قطعتم أرحامهنّ". كما رواه ابن حبان وغيره، وضابط تحريم الجمع ابتداء ودواماً هو كل امرأتين بينهما قرابة أو رضاع ولو فرضت إحداهما ذكراً حرم الجمع بينهما بنكاح أو وطء بملك اليمين، وقوله تعالى :﴿إلا ما قد سلف﴾ استثناء عن لازم المعنى وهو المؤاخذة، فكأنه قال تعالى : تؤاخذون بذلك إلا ما قد سلف قبل النهي فلا تؤاخذون به أو منقطع أي : لكن ما قد سلف من نكاح بعض ما ذكر فإنه مغفور لكم ويؤيد هذا قوله تعالى :﴿إنّ الله كان غفوراً﴾ لما سلف منكم قبل النهي ﴿رحيماً﴾ بكم في ذلك، وقرأ نافع وابن كثير وابن عامر من رواية ابن ذكوان وعاصم بإظهار دال قد عند السين والباقون بالإدغام.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٣٣٥
﴿و﴾ حرمت ﴿المحصنات﴾ أي : ذوات الأزواج ﴿من النساء﴾ أن تنكحوهنّ قبل مفارقة أزواجهنّ سواء أكن حرائر أم لا، مسلمات أم لا، قال أبو سعيد الخدري : نزلت في نساء كنّ هاجرن إلى رسول الله ﷺ ولهنّ أزواج، فتزوّجهن بعض المسلمين، ثم قدم أزواجهن مهاجرين، فنهى الله المسلمين عن نكاحهنّ، ثم استثنى فقال :﴿إلا ما ملكت أيمانكم﴾ أي : من الإماء بالسبي فلكم وطؤهنّ وإن كان لهنّ أزواج في دار الحرب بعد الاستبراء ؛ لأنّ بالسبي يرتفع النكاح بينها وبين زوجها، قال أبو سعيد الخدري : بعث رسول الله ﷺ يوم حنين جيشاً إلى أوطاس، فأصابوا سبايا لهنّ أزواج من المشركين، فكرهوا غشيانهنّ وتحرجوا فأنزل الله هذه الآية.
فائدة : قرأ الكسائي جميع ما في القرآن من لفظ المحصنات ومحصنات بكسر الصاد إلا هذا
٣٣٩
الحرف فإنه فتح الصاد موافقة للجميع، ووجه تسميتهنّ بذلك ؛ لأنهنّ أحصن فروجهنّ بالتزويج فهنّ محصنات، ومحصنات بالكسرة في غير هذه الآية وقوله تعالى :﴿كتاب الله﴾ مصدر مؤكد لمضمون الجملة التي قبله وهي حرمت عليكم إلخ.. أي : كتب الله ﴿عليكم﴾ تحريم هؤلاء كتاباً وقوله تعالى :﴿وأحل لكم﴾ عطف على الفعل المضمر الذي نصب كتاب الله إذا قرىء بالبناء للفاعل كما قرأه غير حفص وحمزة والكسائي، وأمّا هم فقرؤوه بالبناء للمفعول عطفاً على حرمت ﴿ما وراء ذلكم﴾ أي : سوى ما حرم عليكم من النساء وقوله تعالى :﴿أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين﴾ مفعول له والمعنى أحل لكم ما وراء ذلك إرادة أن تبتغوا أي : تطلبوا النساء بأموالكم التي جعل الله لكم قياماً في حال كونكم محصنين أي : متزوّجين غير مسافحين أي : زانين ؛ لئلا تضيعوا أموالكم وتفقروا أنفسكم فيما لا يحل لكم فتخسروا دنياكم ودينكم ولا مفسدة أعظم مما يجمع بين الخسرانين.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٣٣٩
والإحصان : العفة وتحصين النفس من الوقوع في الحرام والمسافح الزاني من السفح وهو صبّ المني، وكان الفاجر يقول للفاجرة : سافحيني ماذيني من المذي. والأموال المهور وما يخرج في المناكح.
تنبيه : يجوز أن يكون مفعول تبتغوا مقدراً وهو النساء كما قدّرته لك، قال الزمخشري : والأجود أن لا يقدر وكأنه قيل : أن تخرجوا أموالكم ويجوز أن يكون أن تبتغوا بدلاً مما وراء ذلكم بدل اشتمال ؛ لأنّ المبدل منه ذات والمبدل معنى والذات مشتملة عليه ﴿فما﴾ أي : فمن ﴿استمتعتم﴾ أي : تمتعتم ﴿به منهنّ﴾ أي : ممن تزوجتم بالوطء ﴿فآتوهنّ أجورهنّ﴾ أي : مهورهنّ، فإنّ المهر في مقابلة الاستمتاع، وقوله تعالى :﴿فريضة﴾ حال من الأجور بمعنى مفروضة أو صفة مصدر محذوف أي : إيتاء مفروضاً أو مصدر مؤكد ﴿ولا جناح عليكم فيما تراضيتم﴾ أنتم وهنّ ﴿به من بعد الفريضة﴾ فيما يزاد على المسمى أو يحط عنه بالتراضي، أو فيما تراضيا به من نفقة أو مقام أو فراق.


الصفحة التالية
Icon