وقيل : نزلت في المتعة التي كانت ثلاثة أيام حين فتح الله مكة على رسول الله ﷺ ثم نسخت كان الرجل ينكح المرأة وقتاً معلوماً ليلة أو ليلتين أو أسبوعاً بثوب أو غير ذلك ويقضي منها وطره ثم يسرحها سميت متعة لاستمتاعه بها أو لتمتيعه لها بما يعطيها، وعن النبيّ ﷺ أنه أباحها ثم أصبح يقول :"يأيها الناس إني كنت أمرتكم بالاستمتاع من هذه النساء إلا أنّ الله حرّم ذلك إلى يوم القيامة". وعن عمر رضي الله تعالى عنه أنه قال :"لا أوتى برجل تزوّج بامرأة إلى أجل إلا رجمتهما بالحجارة". وعن ابن عباس أنه قال : هي محكمة أي : تنسخ وكان يقرأ : فما استمتعتم به إلى أجل مسمى، ويروى أنه رجع عن ذلك عند موته وقال : اللهمّ إني أتوب إليك من قولي بالمتعة، وقيل : إنها أبيحت مرّتين وحرمت مرّتين ﴿إنّ الله كان عليماً﴾ بخلقه ﴿حكيماً﴾ فيما دبره لهم.
﴿ومن لم يستطع منكم طولاً﴾ أي : غنى وأصل الطول الفضل يقال : لفلان على فلان طول
٣٤٠
أي : زيادة فضل وقد طاله طولاً فهو طائل كما قال القائل :
*لقد زادني حباً لنفسي أنني ** بغيض إلى كل امرىء غير طائل*
ومنه قولهم : هذا أمر ما تحته طائل أي : شيء يعتد به مما له فضل وخطر، ومنه الطول في الجسم ؛ لأنه زيادة فيه كما أنّ القصر قصور فيه ونقصان، والمعنى : ومن لم يستطع زيادة في المال وسعة ﴿أن ينكح المحصنات﴾ أي : الحرائر وقوله تعالى :﴿المؤمنات﴾ جرى على الغالب، فلا مفهوم له فإن الحرائر الكتابيات كذلك ﴿فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات﴾ أي : إمائكم المؤمنات أي : ومن لم يقدر على مهر الحرّة المؤمنة أي : أو الكتابية كما مرّ فليتزوّج الأمة المؤمنة، وظاهر الآية حجة للشافعي رضي الله تعالى في تحريم نكاح الأمة على من ملك ما يجعله صداق حرّة ومنع نكاح الأمة الكتابية مطلقاً، وأوّل أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه طول المحصنات بأن يملك فراشهنّ على أنّ النكاح هو الوطء وحمل قوله :(من فتياتكم المؤمنات) على الأفضل كما حمل عليه قوله :(المحصنات المؤمنات).
جزء : ١ رقم الصفحة : ٣٣٩
ومن أصحابنا من حمله أيضاً على التقييد وجوّز نكاح الأمة لمن قدر على الحرّة والكتابية دون المؤمنة حذراً من مخالطة الكفار وموالاتهم، والمحذور في نكاح الأمة رق الولد ؛ ولأنها ممتهنة مبتذلة خراجة ولاجة، وذلك كله نقصان راجع إلى الناكح ومهانة، والعزة من صفات المؤمنين، وأمّا وطؤها بملك اليمين فجائز باتفاق.
فائدة : قوله تعالى :﴿فمن ما ملكت﴾ من مقطوعة عن ما ﴿وا أعلم بإيمانكم﴾ أي : بتفاضل ما بينكم وبين أرقائكم في الإيمان ورجحانه ونقصانه فيهم وفيكم، وربما كان إيمان الأمة أرجح من إيمان الحرّة، والمرأة أفضل في الإيمان من الرجل وحق المؤمنين أن لا يعتبروا إلا فضل الإيمان لا فضل الأحساب والأنساب، وهذا تأنيس بنكاح الإماء وترك الاستنكاف منه فإنه العالم بالسرائر ﴿بعضكم من بعض﴾ أي : أنتم وإماؤكم سواء في النسب والدين نسبكم من آدم ودينكم الإسلام فلا تستنكفوا من نكاحهنّ ﴿فانكحوهنّ بإذن أهلهنّ﴾ أي : مواليهنّ ﴿وآتوهنّ أجورهنّ﴾ أي : أدوا إليهنّ مهورهنّ بإذن أهلهنّ فحذف بإذن لتقدّم ذكره، أو أدوا إلى مواليهنّ فحذف المضاف للعلم بأن المهر للسيد ؛ لأنه عوض حقه فيجب أن يؤدّى إليه، وقال مالك : المهر للأمة ذاهباً إلى ظاهر الآية ﴿بالمعروف﴾ أي : من غير مطل ولا ضرار وقوله تعالى :﴿محصنات﴾أي : عفيفات حال من ضمير فانكحوهنّ وهو محمول على الندب بناء على المشهور من جواز نكاح الزواني ﴿غير مسافحات﴾ أي : زانيات جهراً ﴿ولا متخذات أخدان﴾ أي : أخلاء يزنون بها سراً جمع خدن وهو الصديق في السر، وقيل : المسافحات اللاتي يزنين مع أي رجل، وذوات الأخدان اللاتي يزنين مع معين وذلك بحسب ما كان في الجاهلية.
﴿فإذا أحصن﴾ قرأ شعبة وحمزة والكسائي أحصن بفتح الهمزة والصاد على البناء للفاعل أي : تزوّجن والباقون بضم الهمزة وكسر الصاد على البناء للمفعول أي : زوّجن، ﴿فإن أتين بفاحشة﴾ أي : زنا ﴿فعليهنّ نصف ما على المحصنات﴾ أي : الحرائر الأبكار إذا زنين ﴿من العذاب﴾ أي : الحدّ فيجلدن خمسين ويغربن نصف سنة، ويقاس عليهنّ العبد.
٣٤١
فإن قيل : ما فائدة وجوب تنصيف الحدّ عليهنّ بتقييده بتزوّجهنّ إذ تنصيف العذاب لازم للأمة الزانية تزوّجت أم لا ؟
أجيب : بأنّ فائدة ذلك بيان أن لا رجم عليهنّ أصلاً وبأنه إنما ذكر لبيان جواب سؤال إذ الصحابة رضي الله تعالى عنهم عرفوا مقدار حد الأمة قبل التزوّج دون مقداره بعده، فسألوا عنه النبيّ ﷺ فنزلت الآية، وذهب بعضهم إلى أنه لا حد على من لم يتزوّج من المماليك إذا زنا أخذاً بظاهر الآية.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٣٣٩


الصفحة التالية
Icon