وروي أنه ﷺ قال :"إذا زنت أمة أحدكم فتبين زناها فليجلدها الحدّ ولا يثربن عليها ثم إن عادت فليجلدها الحد ولا يثربن عليها، فإن زنت الثالثة فتبين زناها فليبعها ولو بحبل من شعر" ﴿ذلك﴾ أي : نكاح الإماء عند عدم الطول ﴿لمن خشي﴾ أي : خاف ﴿العنت﴾ أي : الزنا، وأصله المشقة سمي به الزنا ؛ لأنه سببها بالحدّ في الدنيا أو العقوبة في الأخرى ﴿منكم﴾ أيها الأحرار بخلاف من لم يخفه أمّا العبيد فيجوز لهم نكاح الإماء مطلقاً لكن إن كان العبد مسلماً فلا بد أن تكون الأمة مسلمة ﴿وإن تصبروا﴾ عن نكاح الإماء متعففين ﴿خير لكم﴾ لئلا يصير الولد رقيقاً، وعن النبيّ ﷺ "الحرائر صلاح البيت والإماء هلاك البيت" ﴿وا غفور﴾ لمن لم يصبر ﴿رحيم﴾ بأن وسع له في ذلك ﴿يريد الله ليبين لكم﴾ شرائع دينكم ومصالح أموركم ﴿ويهديكم﴾ أي : يرشدكم ﴿سنن﴾ أي : شرائع ﴿الذين من قبلكم﴾ من الأنبياء في التحريم والتحليل فتتبعوهم ﴿ويتوب عليكم﴾ أي : ويتجاوز عنكم ما أصبتم قبل أن يبين لكم ﴿وا عليم﴾ بكم ﴿حكيم﴾ فيما دبره لكم.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٣٣٩
٣٤٢
﴿وا يريد أن يتوب عليكم﴾ إن وقع منكم تقصير في دينه ﴿ويريد الذين يتبعون الشهوات﴾ قال السدي : هم اليهود والنصارى، وقال بعضهم : هم المجوس ؛ لأنهم يستحلون نكاح الأخوات وبنات الأخ والأخت فلما حرمهنّ الله قالوا : فإنكم تحلون بنات الخالة والعمة والخالة والعمة عليكم حرام فانكحوا بنات الأخ والأخت، فنزلت، وقال مجاهد : هم الزناة ﴿أن تميلوا﴾ أي : تعدلوا عن الحق ﴿ميلاً عظيماً﴾ بارتكاب ما حرم عليكم فتكونوا مثلهم.
﴿يريد الله أن يخفف عنكم﴾ أي : يسهل عليكم أحكام الشرع، وقد سهل كما قال تعالى :﴿ويضع عنهم إصرهم﴾ (الأعراف، ١٥٧)
وقال ﷺ "بعثت بالحنيفية السمحة" أي : السهلة ﴿وخلق الإنسان ضعيفاً﴾ لا يصبر على الشهوات وعلى مشاق الطاعات، وعن سعيد بن المسيب : ما أيس الشيطان من أحد قط إلا أتاه من قبل النساء فقد أتى عليّ ثمانون سنة وذهبت إحدى عينيّ وأنا أعشو بالأخرى وإن أخوف ما أخاف عليّ فتنة النساء. وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : ثمان آيات في سورة النساء خير لهذه الأمّة مما طلعت عليه الشمس وغربت، (يريد الله ليبين لكم) (والله يريد أن يتوب عليكم) (يريد الله أن يخفف عنكم) (إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيآتكم) (إنّ الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك) (إنّ الله لا يظلم مثقال ذرّة) (ومن يعمل سوءاً أو يظلم نفسه) (ما يفعل الله بعذابكم).
﴿
جزء : ١ رقم الصفحة : ٣٤٢
يأيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل﴾
أي : بما لم تبحه الشريعة من نحو السرقة والخيانة والغصب والقمار والربا، وقوله تعالى :﴿إلا أن تكون تجارة﴾ استثناء منقطع أي : لكن أن تقع تجارة على قراءة الرفع وهي قراءة غير عاصم وحمزة والكسائي وأمّا هؤلاء فقرؤوا بالنصب على كان الناقصة وإضمار الاسم أي : إلا أن تكون الأموال تجارة ﴿عن تراض منكم﴾ أي : فلكم أن تأكلوها ﴿ولا تقتلوا أنفسكم﴾ أي : بارتكاب ما يؤدّي إلى هلاكها في الدنيا والآخرة، وقال الحسن : يعني إخوانكم أي : لا يقتل بعضكم بعضاً أو لا يقتل الرجل نفسه كما يفعله بعض الجهلة.
روي أنّ رسول الله ﷺ قال :"من قتل نفسه بشيء في الدنيا عذب به يوم القيامة".
وروي أنّ الله تعالى يقول :"بادرني عبدي بنفسه فحرّمت عليه الجنة".
وعن عمرو بن العاص أنه تأوّله في التيمم لخوف البرد فلم ينكر عليه ﷺ ﴿إنّ الله كان بكم﴾ يا أمّة محمد ﴿رحيماً﴾ حيث أمر بني إسرائيل بقتل الأنفس ونهاكم عنه.
﴿ومن يفعل ذلك﴾ أي : ما نهى عنه من قتل النفس وغيره من المحرمات، وقوله تعالى :﴿عدواناً﴾ حال أي : متجاوزاً للحلال وقوله تعالى :﴿وظلماً﴾ تأكيد وقيل : أراد بالعدوان التعدّي على الغير وبالظلم ظلم الشخص نفسه بتعريضها للعقاب ﴿فسوف نصليه﴾ أي : ندخله ﴿ناراً﴾
٣٤٣
يحترق فيها ﴿وكان ذلك على الله يسيراً﴾ أي : هيناً لا عسر عليه فيه.
﴿إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه﴾ أي : كلاً منها وفسر جماعة الكبيرة بأنها ما لحق صاحبها وعيد شديد بنص كتاب أو سنة، وقال جماعة : هي المعصية الموجبة للحدّ، والأوّل أولى ؛ لأنهم عدوا الربا وأكل مال اليتيم وشهادة الزور ونحوها من الكبائر ولا حد فيها، وقال الإمام : هي كل جريمة تؤذن أي : تعلم بقلة اكتراث مرتكبها بالدين، وقال سفيان الثوري : الكبائر ما كان بينك وبين العباد، والصغائر ما كان بينك وبين الله، واحتج بقوله ﷺ "ينادي مناد من بطنان العرش يوم القيامة : يا أمّة محمد إنّ الله قد عفا عنكم جميعاً المؤمنين والمؤمنات تواهبوا المظالم وادخلوا الجنة برحمتي".


الصفحة التالية
Icon