وروي أنه ﷺ قال :"ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه يورّثه". ﴿والصاحب بالجنب﴾ أي : الرفيق في السفر كما قاله ابن عباس ومجاهد، أو المرأة تكون معه إلى جنبه كما قاله علي والنخعي، أو الذي يصحبك رجاء نفعك في تعلم علم أو حرفة أو نحو ذلك كما قاله ابن جريج وابن زيد ﴿وابن السبيل﴾ أي : المسافر ؛ لأنه يلازم السبيل، أو الضيف كما عليه الأكثر.
روي أنه ﷺ قال :"من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحسن إلى جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت". وفي
٣٤٨
رواية :"من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه جائزته يوم وليلة"، والضيافة ثلاثة أيام، فما كان بعد ذلك فهو صدقة ولا يحلّ له أن يثوي عنده حتى يخرجه ﴿وما ملكت أيمانكم﴾ أي : من الأرقاء من عبيد وإماء.
روي أنه ﷺ قال :"هم إخوانكم جعلهم الله تحت أيديكم فمن جعل الله أخاه تحت يده فليطعمه مما يأكل ويلبسه مما يلبس ولا يكلفه من العمل ما يغلبه فإن كلفه ما يغلبه فليعنه عليه"، وفيه رواية أنه ﷺ كان يقول في مرضه :"الصلاة وما ملكت أيمانكم" فجعل يتكلم وما يفيض بها لسانه ﴿إنّ الله لا يحبّ من كان مختالاً﴾ أي : متكبراً على الناس من أقاربه وأصحابه وجيرانه وغيرهم ولا يلتفت إليهم ﴿فخوراً﴾ أي : يتفاخر عليهم بما آتاه الله.
روي أنه ﷺ قال :"بينما رجل يتبختر في بردين وقد أعجبته نفسه خسف به الأرض فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة". وفي رواية :"لا ينظر الله يوم القيامة إلى من جرّ ثوبه خيلاء". وقوله تعالى :﴿الذين﴾ مبتدأ ﴿يبخلون﴾ أي : بما يجب عليهم ﴿ويأمرون الناس بالبخل﴾ بذلك ﴿ويكتمون ما آتاهم الله من فضله﴾ من العلم والمال وهم اليهود بخلوا ببيان صفته ﷺ وكتموها وكانوا يأتون رجالاً من الأنصار ويخالطونهم فيقولون : لا تنفقوا أموالكم فإنا نخشى عليكم الفقر ولا تدرون ما يكون. وخبر المبتدأ محذوف تقديره لهم وعيد شديد ويصح أن يكون (الذين) بدلاً من قوله : من كان، أو منصوباً على الذم أو مرفوعاً عليه أي : هم الذين، وقرأ حمزة والكسائي (بالبخل) بفتح الباء والخاء، والباقون بضمّ الباء وسكون الخاء ﴿وأعتدنا للكافرين﴾ بذلك وبغيره ﴿عذاباً مهيناً﴾ أي : ذا إهانة وضع الظاهر فيه موضع المضمر إظهاراً بأنّ من هذا شأنه فهو كافر بالله لكتمانه صفة النبيّ ﷺ وكافر بنعمة الله عليه.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٣٤٦
وروي عنه ﷺ أنه قال :"إذا أنعم الله على عبد نعمة أحبّ أن ترى نعمته على عبده". وبنى عامل للرشيد قصراً حذاء قصره فنم به عنده فقال الرجل : يا أمير المؤمنين إنّ الكريم يسره أن يرى أثر نعمته، فأحببت أن أسرك بالنظر إلى آثار نعمتك فأعجبه كلامه، وقوله تعالى :
جزء : ١ رقم الصفحة : ٣٤٦
٣٤٩
﴿والذين﴾ عطف على الذين قبله ﴿ينفقون أموالهم رئاء الناس﴾ أي : مرائين لهم ﴿ولا يؤمنون با ولا باليوم الآخر﴾ أي : كالمنافقين ومشركي مكة المنفقين أموالهم في عداوة النبيّ ﷺ ﴿ومن يكن الشيطان له قريناً﴾ أي : صاحباً يعمل بأمره كهؤلاء ﴿فساء﴾ أي : فبئس ﴿قريناً﴾ هو حيث حملهم على البخل والرياء وكل شر وزينه لهم كقوله تعالى :﴿إنّ المبذرين كانوا إخوان الشياطين﴾ (الإسراء، ٢٧)
والمراد : إبليس وأعوانه الداخلة في باطن الإنسان والخارجة عنه، ويجوز أن يكون وعيداً لهم بأنّ الشيطان يقرن بهم في النار.
﴿وماذا عليهم لو آمنوا با واليوم الآخر وأنفقوا مما رزقهم الله﴾ أي : أيّ ضرر عليهم في ذلك والاستفهام للإنكار، ولو مصدرية أي : لا ضرر فيه، وإنما الضرر فيما هم عليه وقوله تعالى :﴿وكان الله بهم عليماً﴾ وعيد لهم فيجازيهم بما عملوا.
﴿إنّ الله لا يظلم﴾ أحداً ﴿مثقال﴾ أي : وزن ﴿ذرّة﴾ وهي أصغر نملة، ويقال : لكل جزء من أجزاء الهباء في الكوّة، أي : لا ينقص قدر ذلك من حسناته ولا يزيده في سيئاته كما قال تعالى :﴿إنّ الله لا يظلم الناس شيئاً﴾ (يونس، ٤٤)، وفي ذكر المثقال إيماء إلى أنه وإن صغر قدره عظم جزاؤه. وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه أدخل يده في التراب فرفعها ثم نفخ فيه فقال : كل واحدة من هؤلاء ذرة ﴿وإن تك حسنة﴾ أي : وإن يك المثقال حسنة ﴿يضاعفها﴾ أي : ثوابها من عشر إلى أكثر من سبعمائة، وعن أبي عثمان النهدي أنه قال لأبي هريرة : بلغني عنك أنك تقول : سمعت رسول الله ﷺ يقول :"إنّ الله يعطي عبده المؤمن بالحسنة الواحدة ألف ألف حسنة" قال أبو هريرة : لا بل سمعته يقول "إنّ الله يعطيه ألفي ألف حسنة". ثم تلا هذه الآية.


الصفحة التالية
Icon