تنبيه : في ﴿هؤلاء أهدى﴾ همزتان من كلمتين الأولى مكسورة والثانية مفتوحة، قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو بإبدال الثانية ياء خالصة، والباقون بالتحقيق.
٣٥٧
﴿أولئك الذين لعنهم الله﴾ أي : طردهم وأبعدهم من رحمته ﴿ومن يلعن الله فلن تجد له نصيراً﴾ أي : مانعاً يمنع العذاب عنه بشفاعة أو غيرها.
﴿أم﴾ منقطعة أي : بل ﴿لهم نصيب﴾ أي : حظ ﴿من الملك﴾ ومعنى الهمزة إنكار أن يكون لهم شيء من الملك وجحد لما زعمت اليهود من أنّ الملك سيصير لهم ولو كان لهم نصيب منه ﴿فإذاً﴾ أي : فيتسبب عن ذلك أنهم ﴿لا يؤتون الناس﴾ أي : واحداً منهم ﴿نقيراً﴾ ومرّ أنه النقرة في ظهر النواة، وهو مثل في القلة كالفتيل والقطمير، والمراد بالملك إما ملك الدنيا وإما ملك الله كقوله تعالى :﴿قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي إذاً لأمسكتم خشية الإنفاق﴾ وهذا مبالغة في شحهم فإنهم بخلوا بالنقير وهم ملوك فما ظنك بهم إذا كانوا أذلاء منقادين ويصح أن يكون معنى الهمزة في أم لإنكار أنهم قد أوتوا نصيباً من الملك وكانوا أصحاب أموال وبساتين وقصور مشيدة كما تكون أحوال الملوك وإنهم لا يؤتون أحداً مما يملكون شيئاً.
﴿
جزء : ١ رقم الصفحة : ٣٥٧
أم﴾
أي : بل ﴿يحسدون الناس﴾ أي : محمداً ﷺ الذي جمع فضائل الناس الأوّلين والآخرين ﴿على ما آتاهم الله من فضله﴾ أي : من النبوّة والكتاب والنصرة والإعزاز وكثرة النساء أي : يتمنون زواله عنه ويقولون : لو كان نبياً لاشتغل عن النساء ﴿فقد آتينا آل إبراهيم﴾ وهو جدّ النبيّ ﷺ ومن آل إبراهيم موسى وداود وسليمان ﴿الكتاب﴾ أي : ما أنزل إليهم ﴿والحكمة﴾ أي : النبوّة ﴿وآتيناهم ملكاً عظيماً﴾ فلا يبعد أن يؤتيه الله تعالى مثل ما آتاهم فكان لداود تسع وتسعون امرأة وكان لسليمان ألف وثلاثمائة حرّة وسبعمائة سريّة.
وقيل : المراد بالناس الناس جميعاً، وقيل : العرب. وحسدوهم لأنّ النبيّ الموعود منهم وقيل : النبيّ وأصحابه لأنّ من حسد على النبوّة فكأنما حسد الناس كلهم على كمالهم ورشدهم.
﴿فمنهم﴾ أي : اليهود ﴿من آمن به﴾ أي : بمحمد ﷺ كعبد الله بن سلام وأصحابه ﴿ومنهم من صدّ﴾ أي : أعرض ﴿عنه﴾ فلم يؤمن به ﴿وكفى بجهنم سعيراً﴾ أي : عذاباً لمن لم يؤمن وقوله تعالى :
﴿إنّ الذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم﴾ أي : ندخلهم ﴿ناراً﴾ كالبيان والتقرير لذلك ﴿كلما نضجت﴾ أي : احترقت ﴿جلودهم بدلناهم جلوداً غيرها﴾ بأن يعاد ذلك الجلد بعينه على صورة أخرى.
روي أنّ هذه الآية قرئت عند عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه فقال عمر للقارىء : أعدها فأعادها وكان عنده معاذ بن جبل فقال معاذ : عندي تفسيرها : يبدله الله تعالى في ساعة مائة مرّة قال عمر : هكذا سمعت من رسول الله ﷺ وقال الحسن : تأكلهم النار كل يوم سبعين ألف مرّة كلما أكلتهم قيل لهم : عودوا فيعودون كما كانوا.
فإن قيل : كيف تعذب جلود لم تكن في الدنيا ولم تعص ؟
أجيب : بأن المعاد إنما هو الجلد الأوّل وإنما قال : جلوداً غيرها لتبدل صفتها كما تقول : صنعت من خاتمي خاتماً غيره فالخاتم الثاني هو الأوّل لا أنّ الصناعة والصفة تبدلت.
روي أنّ ما بين منكبي الكافر في النار مسيرة ثلاثة أيام للراكب المسرع.
٣٥٨
وروي أنّ ضرسه أو نابه مثل أحد وغلظ جلده مسيرة ثلاث ﴿ليذوقوا العذاب﴾ أي : ليقاسوا شدّته، وقيل : يخلق مكان ذلك الجلد جلد آخر والمعذب في الحقيقة على كل حال هي النفس العاصية القائمة بالبدن ؛ لأنها المدركة دونه ﴿إنّ الله كان﴾ ولم يزل ﴿عزيزاً﴾ أي : لا يعجزه شيء ﴿حكيماً﴾ في خلقه يعاقب على وفق حكمته.
﴿والذين آمنوا﴾ أي : أقرّوا بالإيمان ﴿وعملوا الصالحات سندخلهم﴾ أي : بوعد لا خلف فيه، وربما أفهم التنفيس لهم بالسين دون سوف كما في الكافرين أنهم أقصر الأمم مدّة أو أنهم أقصرهم أعماراً راحة لهم من دار الكدر إلى محل الصفاء وأنهم يدخلون الجنة قبل جميع الفرق الناجية من أهل الموقف ﴿جنات﴾ أي : بساتين ووصفها بما يديم بهجتها ويعظم نضرتها وزهرتها فقال :﴿تجري من تحتها الأنهار﴾ أي : إنّ أرضها في غاية الري كل موضع صالح لأن يجري منه نهر.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٣٥٧
ولما ذكر قيامها وما به دوامها أتبعه بما تهواه النفوس من استمرار الإقامة بها فقال ﴿خالدين فيها أبداً﴾ وإنما قدّم تعالى ذكر الكفار ووعيدهم ؛ على ذكر المؤمنين ووعدهم لأنّ الكلام فيهم وذكر المؤمنين بالعرض، ولما وصف تعالى حسن الدار ذكر حسن الجار فقال تعالى :﴿لهم فيها أزواج مطهرة﴾ أي : من الحيض والقذر.


الصفحة التالية
Icon