وأمي منهم وإنما ذكر الوالدان مبالغة في الحث وتنبيهاً على تناهي المشركين بحيث بلغ أذاهم الولدان وإن دعوتهم أجيبت بسبب مشاركتهم في الدعاء حتى يشاركوا في استنزال الرحمة واستدفاع البلية. وقيل : المراد بهم العبيد والإماء وهم جمع وليد ﴿الذين يقولون﴾ أي : داعين يا ﴿ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها﴾ أي : بالكفر ﴿واجعل لنا من لدنك﴾ أي : من عندك ﴿ولياً﴾ يتولى أمرنا ﴿واجعل لنا من لدنك نصيراً﴾ يمنعنا منهم وقد استجاب الله تعالى دعاءهم فيسر لبعضهم الخروج إلى المدينة، وبقي بعضهم إلى أن فتحت مكة له ﷺ فتولاهم ونصرهم، ثم استعمل عليهم عتاب بن أسيد بفتح الهمزة وكسر السين فحماهم ونصرهم حتى صاروا أعز أهلها، وكان حينئذ ابن ثمان عشرة سنة، والقرية مكة، والظالم صفتها، وتذكيره لتذكير ما أسند إليه، فإن إسم الفاعل أو المفعول إذا جرى على غير من هو له كان كالفعل يذكر ويؤنث على حسب ما عمل فيه.
﴿
جزء : ١ رقم الصفحة : ٣٦٥
الذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله﴾
أي : في طاعته الله ﴿والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت﴾ أي : في طاعة الشيطان ﴿فقاتلوا﴾ أيها المؤمنون ﴿أولياء الشيطان﴾ أي : حزبه وجنوده وهم الكفار ﴿إن كيد الشيطان﴾ أي : مكره بالمؤمنين ﴿كان ضعيفاً﴾ بالإضافة إلى كيد الله تعالى بالكافرين لا يعتدّ به، فلا تخافوا أولياءه فإن اعتمادهم على أضعف شيء أوهنه كما فعل الشيطان يوم بدر لما رأى الملائكة خاف أن تأخذه فهرب وخذلهم.
﴿ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم﴾ أي : عن قتال الكفار، وهم جماعة من الصحابة كانوا يلقون من المشركين أذى كثيراً قبل أن يهاجروا ويقولون : يا رسول الله ائذن لنا في قتالهم فإنهم قد آذونا، فيقول لهم رسول الله ﷺ "كفوا أيديكم فإني لم أؤمر بقتالهم" ﴿وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة﴾. فلما هاجروا إلى المدينة وأمرهم الله تعالى بقتال المشركين شق ذلك على بعضهم كما قال تعالى :﴿فلما كتب﴾ أي : فرض ﴿عليهم القتال﴾ قرأ أبو عمرو بكسر الهاء والميم في الوصل وحمزة والكسائي بضم الهاء والميم في الوصل، وأمّا الوقف فالجميع يسكنون الميم، وحمزة بضم الهاء على أصله، وكسرها الباقون ﴿إذا فريق منهم يخشون﴾ أي : يخافون ﴿الناس كخشية الله﴾ أي : كخشيتهم من الله ﴿أو أشدّ خشية﴾ من خشيتهم له.
تنبيه : نصب أشدّ على الحال، وجواب لما دل عليه إذا وما بعدها أي : فاجاءتهم الخشية ﴿وقالوا﴾ جزعاً من الموت ﴿ربنا لم كتبت علينا القتال لولا﴾ أي : هلا ﴿أخرتنا إلى أجل قريب﴾ وهو الموت أي : هلا تركتنا حتى نموت بآجالنا، واختلفوا في هؤلاء الذين قالوا ذلك فقيل : قاله قوم من المنافقين ؛ لأن قوله :﴿لم كتبت علينا القتال﴾ لا يليق بالمؤمنين ؟
وقيل : قاله جماعة من المؤمنين لم يكونوا راسخين في العلم قالوه خوفاً وجبناً لا اعتقاداً، ثم تابوا، وأهل الإيمان يتفاضلون فيه، وقيل : هم قوم كانوا مؤمنين فلما كتب عليهم القتال نافقوا من الجبن وتخلفوا عن الجهاد، وقرأ البزي في الوقف (لمه) بهاء بعد الميم بخلف عنه، والباقون بالميم بغير هاء والهاء ساقطة في الوصل للجميع ﴿قل﴾ لهم يا محمد ﴿متاع الدنيا﴾ أي : ما يتمتع به فيها والاستمتاع بها ﴿قليل﴾ أي : آيل إلى الزوال ﴿والآخرة﴾ أي : ثوابها وهو الجنة والنظر إلى الله تعالى ﴿خير لمن اتقى﴾ عقاب الله بترك معاصيه.
٣٦٦
روي أنه ﷺ قال :"ما الدنيا في الآخرة إلا مثل ما يجعل أحدكم إصبعه في اليم فلينظر بم يرجع" ﴿ولا تظلمون﴾ أي : تنقصون من أعمالكم ﴿فتيلاً﴾ أي : قدر ما يكون في شق النواة كما مرّ عن عكرمة. وقرأ ابن كثير وحمزة والكسائي بالياء على الغيبة والباقون بالتاء على الخطاب، ونزل في المنافقين الذين قالوا في قتلى أحد ﴿لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا﴾ (آل عمران، ١٥٦).
﴿
جزء : ١ رقم الصفحة : ٣٦٥
أينما تكونوا﴾
أيها الناس كلكم مطيعكم وعاصيكم ﴿يدرككم الموت﴾ أي : فإنه طالب لا يفوته هارب.
واختلف كتاب المصاحف في رسم أينما هنا فمنهم من كتب ما مقطوعة من أين ومنهم من وصلها ﴿ولو كنتم في بروج﴾ أي : حصون برج داخل برج أو كل واحد منكم داخل برج ﴿مشيدة﴾ أي : مرتفعة كل واحد منها شاهق في الهواء منيع فلا تخشوا القتال خوف الموت.


الصفحة التالية
Icon