والنوع الثالث : صلاة ذات الرقاع رواها الشيخان أيضاً، وهي والعدوّ في غير جهة القبلة أو فيها، وثم ساتر أن تقف فرقة في وجه العدوّ، ويصلي الإمام بفرقة ركعة، ثم عند قيامه للثانية تفارقه وتتم بقية صلاتها، وتقف في وجه العدوّ، وتجيء تلك والإمام ينتظر لها فيصلي بها ثانية، فإذا جلس للتشهد قامت وأتت بركعة وتلحقه، ويسلم بها ويصلي الثلاثية بفرقة ركعتين وبالثانية ركعة،
٣٨٠
وهو أفضل من عكسه ويصلي الرباعية بكل فرقة ركعتين.
وبقي نوع رابع : تقدّم عند قوله تعالى :﴿فإن خفتم فرجالاً أو ركباناً﴾ (البقرة، ٢٣٩)
﴿ود﴾ أي : تمنى ﴿الذين كفروا لو تغفلون﴾ إذا قمتم إلى الصلاة ﴿عن أسلحتكم وأمتعتكم فيميلون عليكم ميلة واحدة﴾ بأن يحملوا عليكم فيأخذوكم وهذه علة الأمر بأخذ السلاح.
ولما كان الله تعالى قد تفضل على هذه الأمة ورفع عنها الحرج وكان المطر والمرض يشقان قال :﴿ولا جناح﴾ أي : حرج ﴿عليكم إن كان بكم أذى من مطر أو كنتم مرضى أن تضعوا أسلحتكم﴾ ؛ لأنّ حمل السلاح في المطر يكون سبباً لبله، وفي المرض يزيد حملها المريض وهناً، وهذا يفيد إيجاب حملها عند عدم العذر وهو أحد قولي الشافعي، والثاني : أنه سنة ورجح بشرط أن لا يؤذي ولا يحصل بترك حمله خطر ولا يمنع صحة الصلاة، فإن أذى كرمح وسط الصف كره حمله بل إن غلب على ظنه ذلك حرم، وإن حصل بتركه خطر وجب حمله ويمكن حمل الآية على هذه الحالة وكحمله وضعه بين يديه إن سهل مدّ يده إليه بل يتعين إن منع حمله الصحة من نجس أو غيره ﴿وخذوا حذركم﴾ من العدوّ أي : احترزوا منه ما استطعتم كيلا يهجم عليكم.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٣٧٩
فإن قيل : كيف طابق الأمر بالحذر قوله تعالى :﴿إنّ الله أعدّ للكافرين عذاباً﴾ أي : قتلاً وأسراً ونهباً في الدنيا ﴿مهيناً﴾ أي : ذا إهانة ؟
أجيب : بأنّ الأمر بالحذر من العدوّ يوهم توقع غلبته واغتراره فنفى عنهم ذلك الإيهام بإخبارهم أن الله تعالى يهين عدوّهم ويخذله وينصرهم عليه لتقوى قلوبهم ويعلموا أنّ الأمر بالحذر ليس لذلك وإنما هو تعبد من الله تعالى كما قال تعالى :﴿ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة﴾ (البقرة، ١٩٥).
ولما أعلمهم بما يفعلون في الصلاة حال الخوف اتبع ذلك ما يفعلون بعدها لئلا يظن أنها تغني عن مجرّد الذكر فقال مشيراً إلى تعقيبه.
﴿فإذا قضيتم الصلاة﴾ أي : فرغتم من فعلها وأدّيتموها على حالة الخوف أو غيرها ﴿فاذكروا الله﴾ أي : بالتهليل والتسبيح والتحميد والتمجيد ﴿قياماً وقعوداً وعلى جنوبكم﴾ أي : مضطجعين أي : اذكروه في كل حال، وعن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت :"كان رسول الله ﷺ يذكر الله على كل أحيانه" وقيل : صلوا قياماً في حال الصحة وقعوداً في حال المرض وعلى جنوبكم عند الحرج والزمانة ﴿فإذا اطمأننتم﴾ أي : أمنتم بما كنتم فيه من الخوف ﴿فأقيموا الصلاة﴾ أي : أدّوها بحقوقها على الحالة التي كنتم تفعلونها قبل الخوف ﴿إنّ الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً﴾ أي : مكتوباً أي : مفروضاً ﴿موقوتاً﴾ أي : مقدّراً وقتها لا تؤخر عنه ولا تقدّم عليه، قال ﷺ "أمني جبريل عند البيت مرّتين فصلى بي الظهر حين زالت الشمس، والعصر حين كان ظله أي الشيء مثله، والمغرب حين أفطر الصائم أي : دخل وقت إفطاره، والعشاء حين غاب الشفق الأحمر، والفجر حين حرم الطعام والشراب على الصائم، فلما كان الغد صلى بي الظهر حين كان ظله مثله والعصر حين كان ظله مثليه والمغرب حين أفطر الصائم والعشاء إلى ثلث الليل، والفجر فأسفر وقال : هذا وقت الأنبياء من قبلك"، رواه أبو داود وغيره وصححه الحاكم وغيره، وقوله ﷺ "فصلى الظهر حين صار ظله مثله" أي : فرغ منها حينئذٍ كما
٣٨١
شرع في العصر في اليوم الأوّل حينئذٍ قاله الشافعيّ رضي الله تعالى عنه نافياً به إشتراكهما في وقت ويدل له خبر مسلم وقت الظهر إذا زالت الشمس ما لم يحضر العصر، ونزل لما بعث ﷺ طائفة في طلب أبي سفيان وأصحابه لما رجعوا من أحد فشكوا الجراحات :
﴿ولا تهنوا﴾ أي : تضعفوا ﴿في ابتغاء القوم﴾ أي : في طلب أبي سفيان وأصحابه ﴿إن تكونوا تألمون﴾ أي : تتوجعون من ألم الجراح ﴿فإنهم يألمون﴾ أي : يتوجعون من الجراح ﴿كما تألمون﴾ ولم يجبنوا عن قتالكم فلا تجبنوا عن قتالهم ﴿وترجون﴾ أنتم ﴿من الله﴾ من النصر والثواب على جهادكم ﴿ما لا يرجون﴾ هم فأنتم تزيدون عليهم بذلك فيجب أن تكونوا أرغب منهم في الحرب وأصبر عليها ﴿وكان الله عليماً﴾ بأعمالكم وضمائركم ﴿حكيماً﴾ أي : فيما يأمر وينهى.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٣٧٩


الصفحة التالية
Icon