﴿و ما في السموات وما في الأرض﴾ خلقاً وملكاً يفعل فيهما ما يشاء ﴿وكان الله بكل شيء محيطاً﴾ علماً وقدرة أي : ولم يزل متصفاً بذلك فمهما أراد كان في وعد وعيد للمطيع والعاصي لا يخفى عليه أحد منهم ولا يعجزه شيء.
﴿ويستفتونك﴾ أي : يطلبون منك الفتوى ﴿في﴾ شأن ﴿النساء﴾ أي : في شأن اليتامى ﴿قل الله يفتيكم﴾ أي : يبين لكم حكمه ﴿فيهن﴾ والإفتاء تبيين المبهم ﴿و﴾ يفتيكم أيضاً في ﴿ما يتلى عليكم في الكتاب﴾ أي : القرآن من آية الميراث ﴿في يتامى النساء﴾ أي : في شأن اليتامى ﴿اللاتي لاتؤتونهن ما كتب﴾ أي : فرض ﴿لهن﴾ أي : من الميراث ﴿وترغبون﴾ أيها الأولياء ﴿أن﴾ أي : في أن أو عن أن ﴿تنكحوهن﴾ لجمالهن أو دمامتهن، قالت عائشة رضي الله تعالى عنها : هي اليتيمة تكون في حجر الرجل وهو وليها فيرغب في نكاحها إذا كانت ذات جمال ومال بأقل من سنة صداقها وإن كانت مرغوباً عنها في قلة المال والجمال تركها.
وفي رواية : هي اليتيمة تكون في حجر الرجل قد شركته في ماله فيرغب عنها أن يتزوّجها لدمامتها، ويكره أن يزوّجها غيره فيدخل عليه في ماله فيحبسها حتى تموت فيرثها، فنهاهم الله تعالى عن ذلك ﴿و﴾ يفتيكم في ﴿المستضعفين﴾ أي : الصغار ﴿من الولدان﴾ أي : أن تعطوهم حقوقهم ؛ لأن العرب كانوا لا يورثونهم كما لا يورثون النساء وقوله تعالى :﴿وأن تقوموا﴾ في محل نصب بإضمار فعل أي : ويأمركم أن تقوموا ﴿لليتامى﴾ بالقسط أي : العدل من الميراث وغيره، والخطاب للأئمة في أن ينظروا لهم ويستوفوا حقهم أو للقوّام بالنصفة في شأنهم ﴿وما تفعلوا من خير﴾ أي : في ذلك أو غيره ﴿فإن الله كان به عليماً﴾ أي : فيجازيكم عليه فإنه أكرم الأكرمين فطيبوا نفساً وقرّوا عيناً، قال سعيد بن جبير : كان رجل له امرأة قد كبرت وله منها أولاد فأراد أن يطلقها ويتزوّج غيرها فقالت له : لا تطلقني ودعني على ولدي واقسم لي من كل شهرين إن شئت وإن
٣٨٨
شئت فلا تقسم لي فقال : إن كان يصلح ذلك فهو أحب إليّ فأتى رسول الله ﷺ فأنزل الله تعالى.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٣٨٦
﴿وإن امرأة﴾ مرفوع بفعل يفسره ﴿خافت﴾ أي : توقعت ﴿من بعلها﴾ أي : زوجها ﴿نشوزاً﴾ أي : تجافياً عنها وترفعاً عن صحبتها كراهة لها ومنعاً لحقوقها ﴿أو إعراضاً﴾ بأن يقل محادثتها ومجالستها ﴿فلا جناح عليهما﴾ أي : الزوج والزوجة ﴿أن يصلحا بينهما صلحاً﴾ أي : في القسم والنفقة وهو أن يقول الزوج لها : إنك قد دخلت في السن وإني أريد أن أتزوّج امرأة شابة جميلة أوثرها عليك في القسم ليلاً ونهاراً فإن رضيتي بهذا فأقيمي وإن كرهت خليت سبيلك، فإن رضيت كانت هي المحسنة، ولا تجبر على ذلك وإن لم ترض بدون حقها كان على الزوج أن يوفيها حقها من القسم والنفقة، أو يسرحها بإحسان، فإن أمسكها ووفاها حقها مع كراهته فهو المحسن، وقرأ عاصم وحمزة والكسائي بضم الياء وسكون الصاد ولا ألف من أصلح بين المتنازعين، والباقون بفتح الياء وفتح الصاد مع التشديد وألف بعدها وفتح اللام وفيه إدغام التاء في الأصل في الصاد، وغلظ ورش اللام من يصالحا بخلاف عنه ﴿والصلح﴾ بأن يترك كل منهما حقه أو بعض حقه ﴿خير﴾ من الفرقة والنشوز والإعراض.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٣٨٩
كما "يروى أن سودة كانت امرأة كبيرة أراد النبيّ ﷺ أن يفارقها فقالت : لا تطلقني وإنما بي أن أبعث في نسائك وقد جعلت نوبتي لعائشة فأمسكها رسول الله ﷺ وكان يقسم لعائشة يومها ويوم سودة" ثم بين سبحانه وتعالى ما جبل عليه الإنسان بقوله :﴿وأحضرت الأنفس الشح﴾ أي :
٣٨٩
جبلت عليه فكأنها حاضرة لا تغيب عنه، فلا تكاد المرأة تسمح بالإعراض عنها والتقصير في حقها ولا بنفسه بأن يمسكها ويقوم بحقها على ما بنبغي إذ الزوج لا يكاد يسمح بنفسه إذا كرهها وخصوصاً إذا أحب غيرها، والشح أقبح البخل وحقيقته الحرص على منع الخير ﴿وإن تحسنوا﴾ أي : في عشرة النساء وإن كنتم كارهين ﴿وتتقوا﴾ أي : النشوز والإعراض ونقص الحق ﴿فإنّ الله كان﴾ أزلاً وأبداً ﴿بما تعملون﴾ أي : من الإحسان والخصومة ﴿خبيراً﴾ أي : عليماً به وبالغرض منه فيجازيكم عليه.
﴿ولن تستطيعوا﴾ أي : توجدوا من أنفسكم طواعية بالغة دائمة ﴿إن تعدلوا﴾ أي : تسووا بين ﴿النساء﴾ أي : في المحبة ؛ لأنّ العدل أن لا يقع ميل البتة وهو متعذر، ولذلك كان رسول الله ﷺ يقسم بين نسائه فيعدل ويقول :"هذا قسمي فيما أملك فلا تؤاخذني فيما تملك ولا أملك" رواه أبو داود وغيره وصححه الحاكم ﴿ولو حرصتم﴾ على تحرّي ذلك وبالغتم فيه ﴿فلا تميلوا﴾ أي : إلى التي تحبونها ﴿كل الميل﴾ في القسم والنفقة فإنّ ما لا يدرك كله لا يترك كله ﴿فتذروها﴾ أي : تتركوا المرأة الممال عنها ﴿كالمعلقة﴾ أي : التي لا هي أيم ولا ذات بعل.


الصفحة التالية
Icon