وعن النبيّ ﷺ "من كان له امرأتان يميل إلى إحداهما جاء يوم القيامة وإحدى شقيه مائل" رواه أبو داود وغيره وصححه الحاكم.
وروي أنّ عمر رضي الله تعالى عنه بعث إلى أزواج النبيّ ﷺ بمال فقالت عائشة رضي الله تعالى عنها : إلى كل أزواج النبيّ ﷺ بعث عمر مثل هذا قالوا : لا بعث إلى القرشيات بمثل هذا وإلى غيرهنّ بغيره فقالت : ارفع رأسك فإنّ رسول الله ﷺ كان يعدل بيننا في القسمة بماله ونفسه فرجع الرسول فأخبره فأتم لهنّ جميعاً، وكان لمعاذ رضي الله تعالى عنه امرأتان فإذا كان عند إحداهما لم يتوضأ في بيت الأخرى فماتتا في الطاعون فدفنهما في قبر واحد ﴿وإن تصلحوا﴾ أي : ما كنتم تفسدون من أمورهنّ ﴿وتتقوا﴾ فيما يستقبل ﴿فإنّ الله كان غفوراً﴾ أي : لما في قلوبكم من الميل ﴿رحيماً﴾ بكم في ذلك وغيره فإنه أرحم الراحمين.
﴿
جزء : ١ رقم الصفحة : ٣٨٩
وإن يتفرّقا﴾
أي : يفترق كل من الزوجين من صاحبه بالطلاق ﴿يغن الله كلاً﴾ منهما عن الآخر ببدل بأن يرزقها زوجاً ويرزقه غيرها أو سلواً ﴿من سعته﴾ أي : من فضله وكرمه ﴿وكان الله واسعاً﴾ أي : واسع الفضل والرحمة بخلقه ﴿حكيماً﴾ أي : فيما دبره لهم، وفي قوله تعالى :
﴿و ما في السموات وما في الأرض﴾ أي : ملكاً وعبيداً تنبيه على كمال سعته وقدرته ﴿ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب﴾ أي : جنس الكتب ﴿من قبلكم﴾ أي : اليهود والنصارى ومن قبلهم وقوله تعالى :﴿وإياكم﴾ عطف على الذين وهو خطاب لأهل القرآن ﴿أن اتقوا الله﴾ أي : بأن اتقوا الله أي : خافوا عقابه بأن تطيعوه، وقوله تعالى :﴿وإن تكفروا﴾ أي : بما وصيتم به ﴿فإنّ ما في السموات وما في الأرض﴾ على إرادة القول. قال التفتازاني : لأنّ الجملة الشرطية لا تصح أن تقع بعد أن المصدرية فلا يصح عطفها على الواقع بعدها أي : وقلنا لهم ولكم إن تكفروا فإنّ الله مالك
٣٩٠
الملك كله لا يتضرر بكفركم ومعاصيكم كما لا ينتفع بشكركم وتقواكم وإنما يوصيكم لرحمته لا لحاجته. ثم قرّر ذلك بقوله تعالى :﴿وكان الله غنياً﴾ عن الخلق وعبادتهم ﴿حميداً﴾ في ذاته حمد أو لم يحمد.
﴿و ما في السموات وما في الأرض وكفى با وكيلاً﴾ أي : شهيداً بأنّ ما فيهما له.
فإن قيل : ما فائدة تكرير لله ما في السموات وما في الأرض ؟
أجيب : بأنّ لكل واحدة منها وجهاً أمّا الأوّل : فمعناه لله ما في السموات وما في الأرض وهو يوصيكم بالتقوى فاقبلوا وصيته، وأمّا الثاني : فمعناه لله ما في السموات وما في الأرض وكان الله غنياً حميداً أي : هو الغنيّ المطلق فاطلبوا منه ما تطلبون فإنه لا ينفد ما عنده، وأمّا الثالث : فمعناه لله ما في السموات وما في الأرض وكفى بالله وكيلاً ولا تتوكلوا على غيره فذكرت كل مرّة دليلاً على شيء غير الذي قبله، وكررت ؛ لأنّ الدليل الواحد إذا كان دالاً على مدلولات يحسن أن يستدل به على كل واحد منها وإعادته مع كل واحد أولى من الاكتفاء بذكره مرّة واحدة ؛ لأنّ إعادته تحضر في الذهن ما يوجب العلم بالمدلول فيكون العلم الحاصل بذلك المدلول أقوى وأجل، وفي ختم كل جملة بصفة من الصفات الحسنى تنبيه الذهن بها إلى أنّ هذا الدليل محتوٍ على أسرار شريفة ومطالب جليلة لا تنحصر، فيجتهد السامع في التفكّر لإظهار الأسرار والاستدلال على صفات الكمال ؛ لأنّ الغرض الكلي من هذا الكتاب صرف العقول والأفهام عن الاشتغال بغير الله إلى الاستغراق في معرفته سبحانه وتعالى، وهذا التكرير مما يفيد حصول هذا المطلوب ويؤكده.
﴿
جزء : ١ رقم الصفحة : ٣٨٩
إن يشأ يذهبكم﴾
أي : يفنكم ﴿أيها الناس﴾ كما أوجدكم ﴿ويأت بآخرين﴾ أي : ويوجد قوماً آخرين مكانكم أو خلقاً آخرين مكان الإنس ﴿وكان الله على ذلك﴾ أي : الإعدام والإيجاد ﴿قديراً﴾ أي : بليغ القدرة لا يمتنع عليه شيء أراده. وقيل : هذا خطاب لمن كان يعادي رسول الله ﷺ من العرب إن يشأ يمتكم ويأت بناس آخرين يوالونه.
وروي أنه لما نزلت ﴿إن يشأ يذهبكم﴾ الآية ضرب رسول الله ﷺ على ظهر سلمان وقال :"إنهم قوم هذا" أي : سلمان وهم بنو فارس.
﴿من كان يريد ثواب الدنيا﴾ الخسيسة الفانية كالمجاهد يجاهد للغنيمة لقصور نظره على الخسيس الحاضر مع خسته كالبهائم ﴿فعند الله ثواب الدنيا﴾ الخسيسة الفانية ﴿والآخرة﴾ النفيسة الباقية لا عند غيره فما له يطلب الخسيس فليطلبهما منه كمن يقول : ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة، أو ليطلب الأشرف منهما فإنّ من غلب همته فأقبل بقلبه إليه وقصر همه عليه جمع له سبحانه وتعالى بينهما كمن يجاهد لله خالصاً يجمع له بين الآخرة والمغنم ﴿وكان الله سميعاً﴾ أي : بالغ السمع لكل قول وإن خفي ﴿بصيراً﴾ أي : بالغ البصر لكل ما يبصر وإن خفي.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٣٨٩


الصفحة التالية
Icon