أي : قائمين قياماً بليغاً مواظباً عليه مجتهداً فيه ﴿بالقسط﴾ أي : بالعدل ﴿شهداء ﴾ بالحق أي : تقيمون شهادتكم لوجه الله ﴿ولو﴾ كانت الشهادة ﴿على أنفسكم﴾ فاشهدوا عليها بأن تقرّوا بالحق ولا تكتموه ﴿أو الوالدين والأقربين﴾ أي : ولو كانت الشهادة على والديكم وأقاربكم ﴿إن يكن﴾ أي : المشهود عليه ﴿غنياً﴾ فلا تمنع الشهادة عليه لغناه
٣٩١
طلباً لرضاه ﴿أو فقيراً﴾ فلا تمنع ترحماً عليه ﴿فا أولى بهما﴾ أي : الغني والفقير وبالنظر لهما فلو لم تكن الشهادة لهما أو عليهما صلاحاً لما شرعها.
تنبيه : الضمير في (بهما) راجع إلى ما دلّ عليه المذكور وهو جنس الغني والفقير لا إليهما وإلا لوحد الضمير لكون العطف بأو، فكأنه قال : فالله أولى بجنس الغني والفقير أي : بالأغنياء والفقراء ﴿فلا تتبعوا الهوى﴾ أي : في شهادتكم بأن تحابوا الغني لرضاه أو الفقير رحمة له ﴿أن تعدلوا﴾ أي : إرادة أن تعدلوا فقد بان لكم أن لا عدل في ذلك، أو لئلا تعدلوا أي : تميلوا عن الحق ﴿وإن تلووا﴾ أي : ألسنتكم لتحرفوا الشهادة ﴿أو تعرضوا﴾ أي : عن أدائها ﴿فإنّ الله كان بما تعملون خبيراً﴾ فيجازيكم به. وقرأ ابن عامر وحمزة بضم اللام وحذف الواو الأولى، والباقون بسكون اللام وواوين الأولى مضمومة.
﴿
جزء : ١ رقم الصفحة : ٣٩١
يأيها الذين آمنوا آمنوا﴾
أي : داوموا على الإيمان ﴿با ورسوله والكتاب الذي نزل على رسوله﴾ محمد ﷺ وهو القرآن ﴿والكتاب الذي أنزل من قبل﴾ على الرسل بمعنى الكتب أي : آمنوا بجميع كتب الله المنزلة وقيل : إنّ الخطاب في ذلك لأهل الكتاب.
روي أنّ ابن سلام وأصحابه قالوا : يا رسول الله إنا نؤمن بك وبكتابك وبموسى والتوراة وعزير، ونكفر بما سواه، فقال لهم النبيّ ﷺ "بل آمنوا بالله ورسوله محمد والقرآن وبكل كتاب كان قبله" فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر بضم النون من (نزل)، وضم الهمزة من (أنزل) وكسر الزاي فيهما، والباقون بفتح النون والهمزة وفتح الزاي فيهما ﴿ومن يكفر با وملائكته وكتبه﴾ التي أنزل على أنبيائه ﴿ورسله﴾ أي : من الملائكة والبشر ﴿واليوم الآخر﴾ أي : الذي أخبرت به رسله وهو يوم القيامة أي : ومن يكفر بشيء من ذلك ﴿فقد ضل ضلالاً بعيداً﴾ عن الحق بحيث لا يكاد يعود إليه، وقرأ قالون وابن كثير وعاصم بإظهار دال قد عند الضاد والباقون بالإدغام.
﴿إن الذين آمنوا﴾ أي : بموسى وهم اليهود ﴿ثم كفروا﴾ حين عبدوا العجل ﴿ثم آمنوا﴾ بعد عود موسى إليهم ﴿ثم كفروا﴾ بعيسى ﴿ثم ازدادوا كفراً﴾ بمحمد ﷺ ﴿لم يكن الله ليغفر لهم﴾ أي : ما داموا على هذه الحالة ؛ لأنه لا يغفر أن يشرك به ﴿ولا ليهديهم سبيلاً﴾ أي : طريقاً إلى الحق ﴿بشر المنافقين﴾ يا محمد ﴿بأنّ لهم عذاباً أليماً﴾ أي : مؤلماً هو النار.
تنبيه : وضع بشر مكان أنذر تهكماً بهم، وقوله تعالى :
﴿الذين﴾ بدل أو نعت للمنافقين ﴿يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين﴾ لما يتوهمون فيهم من القوّة وقوله تعالى :﴿أيبتغون﴾ أي : أيطلبون ﴿عندهم العزة﴾ استفهام إنكاري أي : لا يجدونها عندهم ﴿فإن العزة جميعاً﴾ في الدنيا والآخرة ولا ينالهما إلا أولياؤه قال الله تعالى :﴿و العزة ولرسوله وللمؤمنين﴾ (المنافقون، ٨).
﴿وقد﴾ أي : تتخذونهم والحال أنه قد ﴿نزل عليكم﴾ أي : أيتها الأمّة الصادقين منكم والمنافقين ﴿في الكتاب﴾ أي : القرآن في سورة الأنعام النازلة بمكة المشرفة النهي عن مجالستهم فضلاً عن ولايتهم ﴿أن﴾ أي : إنه فهي مخففة واسمها محذوف ﴿إذا سمعتم آيات الله﴾ أي : القرآن ﴿يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم﴾ أي : الكافرين والمستهزئين ﴿حتى يخوضوا في حديث
٣٩٢
غيره﴾
أي : حتى يأخذوا في حديث غير ذلك، قال الضحاك عن ابن عباس : دخل في هذه الآية كل محدث في الدين وكل مبتدع إلى يوم القيامة، وقرأ عاصم :(نزل) بفتح النون والزاي، والباقون بضمّ النون وكسر الزاي ﴿إنكم إذاً﴾ أي : إن قعدتم معهم ﴿مثلهم﴾ أي : في الإثم ؛ لأنكم قادرون على الإعراض عنهم والإنكار عليهم أو الكفر إن رضيتم به، وقيل : كان الذين يقاعدون الخائضين في القرآن من الأحبار هم المنافقون فقيل لهم : إنكم إذاً مثل الأحبار في الكفر، ويدل عليه قوله تعالى :﴿إنّ الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعاً﴾ أي : القاعدين والمقعود معهم كما اجتمعوا في الدنيا على الكفر والاستهزاء، وقوله تعالى :
جزء : ١ رقم الصفحة : ٣٩١


الصفحة التالية
Icon