﴿يأيها الناس﴾ أي : كافة أهل الكتاب وغيرهم ﴿قد جاءكم برهان من ربكم﴾ أي : حجة نيرة واضحة مفيدة لليقين التام وهو رسول الله ﷺ بالأدلة القاطعة من المعجزات وغيرها ﴿وأنزلنا إليكم نوراً مبيناً﴾ أي : واضحاً في نفسه موضحاً لغيره وهو القرآن الجامع بإعجازه وحسن بيانه، فلم يبق لكم عذر ولا علة، وقيل : المراد بالبرهان المعجزات وبالنور القرآن.
﴿فأما الذين آمنوا با واعتصموا به فسيدخلهم﴾ أي : بوعد لا خلف فيه ﴿في رحمة منه﴾ أي : ثواب عظيم هو رحمته لهم لا بشيء استوجبوه ﴿وفضل﴾ أي : إحسان زائد عليه ﴿ويهديهم﴾ أي : في الدنيا والآخرة ﴿إليه صراطاً مستقيماً﴾ أي : طريقاً مستقيماً وهو الإسلام والطاعة في الدنيا والجنة في الآخرة.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٤٠٢
﴿يستفتونك﴾ أي : في الكلالة حذف لدلالة الجواب عليه.
روي أن جابر بن عبد الله قال :"عادني رسول الله ﷺ وأنا مريض لا أعقل فتوضأ وصب عليّ من وضوئه فعقلت وقلت : يا رسول الله لمن الميراث وإنما يرثني كلالة" فنزل :﴿يستفتونك﴾ ﴿قل الله يفتيكم في الكلالة﴾ وقد تقدّم معنى الكلالة وحكم الآية في أوّل السورة وفي هذه الآية بيان حكم ميراث الأخوة للأب والأم أو للأب، وقوله تعالى :﴿إنّ امرؤ﴾ هو مرفوع بفعل يفسره ﴿هلك﴾ أي : مات ﴿ليس له ولد﴾ أي : ولا والد وهو الكلالة، قال الأصبهاني عن الشعبي : اختلف أبو بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما في الكلالة فقال أبو بكر : هو ما عدا الوالد، وقال عمر : ما عدا الوالد والولد ثم قال عمر : إني لأستحي من الله أن أخالف أبا بكر وقوله تعالى :﴿وله أخت﴾ يحتمل الحال والعطف والمراد بالأخت الأخت من الأبوين أو الأب لأنه جعل أخوها عصبة والذي لأم لا يكون عصبة والولد يشمل الذكر والأنثى فإنّ الأخت وإن ورثت مع البنت قد لا ترث النصف وذلك عند تعدد البنت ﴿فلها نصف ما ترك وهو﴾ أي : هذا الأخ للميت ﴿يرثها﴾ أي : إن ماتت هي وبقي هو جميع مالها ﴿إن لم يكن لها ولد﴾ فإن كان لها ولد ذكر فلا شيء له أو أنثى فله ما فضل عن نصيبها ولو كانت الأخت أو الأخ من الأم ففرضه السدس كما مرّ أوّل السورة ﴿فإن كانتا﴾ أي : الأختان ﴿اثنتين﴾ أي : فصاعداً لأنها نزلت في جابر وقد مات عن أخوات ﴿فلهما الثلثان مما ترك﴾ أي : الأخ ﴿وإن كانوا﴾ أي : الورثة ﴿إخوة رجالاً ونساءً فللذكر﴾ منهم ﴿مثل حظ الأنثيين يبيّن الله لكم﴾ أي : ولم يكلكم في بيانه إلى بيان غيره، وقال مرغباً مرهباً ﴿أن﴾ أي : كراهة أن ﴿تضلوا﴾ وقيل : لئلا تضلوا فحذف لا وهو قول الكوفيين، وقيل : يبيّن الله لكم ضلالكم أي : الذي من شأنكم أي : إذا خليتم وطباعكم لتحترزوا عنه وتتحروا خلافه ﴿والله بكل شيء عليم﴾ فهو عالم بمصالح العباد في المحيا والممات ومنه الميراث.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٤٠٤
روي عن البراء رضي الله تعالى عنه أنه قال : آخر سورة نزلت كاملة براءة، وآخر آية نزلت قال
٤٠٤
السيوطي أي : من الفرائض خاتمة سورة النساء يستفتونك الآية.
وروي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : أنّ آخر آية نزلت آية الربا، وآخر سورة نزلت :﴿إذا جاء نصر الله والفتح﴾ (النصر، ١).
وروي عنه أنّ آخر آية نزلت قوله تعالى :﴿واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله﴾ (البقرة، ٢٨١).
وروي بعدما نزلت سورة النصر عاش النبي ﷺ بعدها عاماً، فنزلت بعدها سورة براءة وهي آخر سورة نزلت كاملة فعاش النبي ﷺ بعدها ستة أشهر ثم نزل في طريق حجة الوداع﴿يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة﴾ فسميت آية الصيف ثم نزل هو واقف بعرفة :﴿اليوم أكملت لكم دينكم﴾ فعاش النبي ﷺ بعدها أحداً وثمانين يوماً، ثم نزلت آية البا، ثم نزلت :﴿واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله﴾ (البقرة، ٢٨١) فعاش النبي ﷺ بعدها أحداً وعشرين يوماً، وقول البيضاويّ تبعاً للزمخرشي عن النبيّ صلى اللع عليه وسلم :"من قرأ سورة النساء فكأنما تصدّق على كل مسلم ومسلمة ومؤمن ومؤمنة ورث ميراثاً، وأعطي من الأجر كمن اشترى محرّراً أي : رقيقاً وحرّره، وبرىء من الشرك، وكان في مشيئة الله تعالى من الذين يتجاوز عنهم"، حديث موضوع.
٤٠٥
جزء : ١ رقم الصفحة : ٤٠٤


الصفحة التالية
Icon