سورة المائدة
مدنية
مائة وعشرون آية أو اثنتان أو ثلاثوكلماتها ألفان وثمانمائة وأربع كلماتوحروفها أحد عشر ألفاً وسبعمائة وثلاثة وثلاثون حرفاً
﴿بسم الله﴾ الذي له الأمر كله فلا يسئل عما يفعل ﴿الرحمن﴾ الذي عم بنعمة إيجاده وبيانه فنعمته أتم نعمة وأشمل ﴿الرحيم﴾ الذي خص خلص عباده بتوفيقه وأتم نعمته عليهم وأكمل.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٤٠٥
﴿يأيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود﴾ أي : التي عقدها الله تعالى على عباده وألزمها إياهم من مواجب التكليف وما يعقدون بينهم من عقود الأمانات والمعاملات ونحوها مما يجب الوفاء به أو يحسن إن حملنا الأمر على المشترك بين الوجوب والندب والعقد العهد الموثق شبه بعقد الحبل
٤٠٦
ونحوه قول الحطيئة :
*قوم إذا عقدوا عقداً لجارهم ** شدّوا العِناجَ وشدوا فوقه الكرَبَا*
والعناج حبل يشدّ في أسفل الدلو ثم يشدّ إلى العراقي ليكون عوناً له، والكرب الحبل الذي يشدّ في وسط العراقي والعرقوتان الخشبتان المعترضتان على الدلو كالصليب وقوله تعالى :﴿أحلت لكم بهيمة الأنعام﴾ تفصيل للعقود لأنّ العقود مجملة فهو شامل لجميع العقود لأنّ ذلك أمهات التكاليف وجميع ما في هذه السورة من الأحكام تفصيل لذلك.
فائدة : روي عن ابن مسعود قال : أنزل الله تعالى في هذه السورة ثمانية عشر حكماً لم ينزلها في غيرها قوله تعالى :﴿والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع إلا ما ذكيتم وما ذبح على النصب وأن تستقسموا بالأزلام﴾ ﴿وما عملتم من الجوارح مكلبين﴾ ﴿وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم﴾ ﴿والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم﴾ وتمام الطهر في قوله تعالى :﴿إذا قمتم إلى الصلاة﴾ ﴿والسارق والسارقة﴾ ﴿ولا تقتلوا الصيد وأنتم حرم﴾ الآية ﴿وما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام﴾ وقوله تعالى :﴿شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت﴾ وزيد عليها تاسع عشر وهو قوله تعالى :﴿وإذا ناديتم إلى الصلاة﴾ ليس للآذان ذكر في القرآن إلا في هذه السورة وأما في سورة الجمعة فهو مخصوص بالجمعة وهو في هذه السورة عام في جميع الصلوات والبهيمة كل حيّ لا يميز أي : من شأنه أنه لا يميز فلا يدخل في ذلك المجنون ونحوه، والأنعام : الإبل والبقر والغنم وهي الأزواج الثمانية وألحق بها الظباء وبقر الوحش.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٤٠٦
تنبيه : إضافة البهيمة إلى الأنعام للبيان كقولك : ثوب خز ومعناه البهيمة من الأنعام.
فإن قيل : لم أفرد البهيمة وجمع الأنعام ؟
أجيب : بإرادة الجنس وقوله تعالى :﴿إلا ما يتلى عليكم﴾ أي : تحريمه في قوله تعالى :﴿حرّمت عليكم الميتة﴾ الآية استثناء منقطع ويجوز أن يكون متصلاً والتحريم عرض من الموت ونحوه وقوله تعالى :﴿غير محلي الصيد﴾ حال من ضمير لكم وقوله تعالى :﴿وأنتم حرم﴾ مبتدأ وخبر في محل نصب على الحال من الضمير في محل جمع حرام وهو المحرم ﴿إنّ الله يحكم ما يريد﴾ من تحليل وتحريم وغيرهما على سبيل الإطلاق لا يجب عليه مراعاة مصلحة ولا حكمة كما تقوله المعتزلة، فلا يسئل عن تخصيص ولا تفصيل فما فهمتم حكمته فذاك ومالا فكلوه إليه وارغبوا في أن يلهمكم حكمته.
﴿يأيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله﴾ جمع شعيرة : وهي اسم ما أشعر أي : جعل شعاراً وعلماً للنسك من مواقف الحج ومرامي الجمار والمطاف والمسعى والأفعال التي هي علامات الحاج، يعرف بها من الإحرام والطواف والسعي والحلق والنحر، وقيل : معالم دينه، وقيل : فرائضه التي حدّها لعباده ﴿ولا﴾ تحلوا ﴿الشهر الحرام﴾ أي : بالقتال فيه قال تعالى :﴿إنّ عدّة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض منها أربعة حرم﴾ (التوبة، ٣٦) وهي ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب، فيجوز أن يكون ذلك إشارة إلى جميع هذه الأشهر كما يطلق اسم الواحد على الجنس لأنّ الأشهر كلها في الحرمة سواء، ولكن قال
٤٠٧
الزمخشريّ : والشهر الحرام شهر الحج ﴿ولا﴾ تحلوا ﴿الهدى﴾ أي : بالتعرّض له وهو ما أهدى إلى الحرم من النعم ﴿ولا﴾ تحلوا ﴿القلائد﴾ أي : صاحب القلائد من الهدى، وعبر بها مبالغة في تحريمها أو القلائد أنفسها، والنهي عن إحلالها مبالغة في النهي عن التعرّض للهدى، والقلائد جمع قلادة وهي ما قلّد به الهدى من نعل أو غيره ليعلم به أنه هدى فلا يتعرّض له ﴿ولا﴾ تحلوا ﴿آمّين﴾ أي : قاصدين ﴿البيت الحرام﴾ لزيارته أي : بأن تقاتلوهم.
﴿يبتغون فضلاً من ربهم﴾ وهو الثواب ﴿ورضواناً﴾ أي : وأن يرضى عنهم والجملة في موضع الحال من المستكن في آمين، أي : لا تتعرضوا لقومٍ هذه صفتهم تعظيماً لهم واستنكاراً أن يتعرّض لمثلهم، وقيل : معناه يبتغون من الله رزقاً بالتجارة ورضواناً بزعمهم لأنهم كانوا يظنون ذلك فوصفوا به بناء على ظنهم ولأنّ الكافر لا نصيب له في الرضوان كقوله تعالى :﴿ذق إنك أنت العزيز الكريم﴾ (الدخان، ٤٩) قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : كان المسلمون والمشركون يحجون جميعاً فنهى الله تعالى المسلمين أن يمنعوا أحداً عن حج البيت بقوله تعالى :
جزء : ١ رقم الصفحة : ٤٠٦


الصفحة التالية
Icon