﴿من أجل ذلك﴾ أي : الذي فعله قابيل ﴿كتبنا﴾ أي : قضينا ﴿على بني إسرائيل﴾ في التوراة لأنهم كانوا أشدّ الناس جراءة على القتل ولذلك كانوا يقتلون الأنبياء ﴿إنه﴾ أي : الشأن ﴿من قتل نفساً﴾ أي : من بني آدم ﴿بغير نفس﴾ أي : بغير قتل نفس يوجب الاقتصاص ﴿أو﴾ قتلها بغير ﴿فساد﴾ أتاه ﴿في الأرض﴾ كالشرك والزنا بعد الإحصان وقطع الطريق وكل ما يبيح إراقة الدم ﴿فكأنما قتل الناس جميعاً﴾ أي : من حيث هتك حرمة الدماء وسنّ القتل وجراءة الناس عليه أو من حيث أن قتل الواحد وقتل الجميع سواء في استحلال غضب الله والعذاب العظيم.
٤٣٠
﴿ومن أحياها﴾ أي : بسبب من الأسباب كإنقاذ من هلكة أو غرق أو دفع من يريد أن يقتلها ظلماً ﴿فكأنما أحيا الناس جميعاً﴾ قال ابن عباس : من حيث عدم انتهاك حرمتها وصونها قال سليمان بن علي : قلت للحسن يأبا سعيد أهي لنا أي : هذه الآية كما كانت لبني إسرائيل ؟
قال : إي، والذي لا إله غيره ما كانت دماء بني إسرائيل أكرم على الله من دمائنا اه. ومما يحسن إيراده هنا ما ينسب لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه، وقيل : إنه للشافعيّ رحمه الله تعالى :
جزء : ١ رقم الصفحة : ٤٣٠
الناس من جهة التمثيل أكفاء ** أبوهم آدم والأمّ حوّاء*
*نفس كنفس وأرواح مشاكلة ** وأعظم خلقت فيهم وأعضاء*
*فإن يكن لهم في أصلهم حسب ** يفاخرون به فالطين والماء*
*ما الفخر إلا لأهل العلم إنهم ** على الهدى لمن استهدى أدلاء*
*وقدر كل امرىء ما كان يحسنه ** وللرجال على الأفعال أسماء*
*وضدّ كل امرىء ما كان يجهله ** والجاهلون لأهل العلم أعداء*
*ففز بعلم تعش حياً به أبداً ** فالناس موتى وأهل العلم أحياء*
﴿ولقد جاءتهم﴾ أي : بني إسرائيل ﴿رسلنا بالبينات﴾ أي : المعجزات وقرأ أبو عمرو بسكون السين والباقون بضمها ﴿ثم إنّ كثيراً منهم بعد ذلك﴾ أي : بعدما كتبنا عليهم هذا التشديد العظيم وأرسلنا إليهم الرسل بالآيات الواضحة تأكيداً للأمر وتجديداً للعهد ﴿في الأرض لمسرفون﴾ أي : مجاوزون الحدّ بالكفر والقتل وغير ذلك ولا يبالون به وبهذا اتصلت القصة بما قبلها.
ونزل في العرنيين "لما قدموا المدينة وهم مرضى أتوا النبيّ ﷺ وبايعوه على الإسلام وهم كذبة فبعثهم النبيّ ﷺ إلى إبل الصدقة ليشربوا من ألبانها وأبوالها فلما صحوا قتلوا الراعي واستاقوا الإبل".
﴿إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله﴾ أي : يحاربون أولياءهما وهم المسلمون جعل محاربتهم محاربتهما تعظيماً ﴿ويسعون في الأرض فساداً﴾ أي : بقطع الطريق ﴿أن يقتلوا﴾ أي : إن قتلوا ﴿أو يصلبوا﴾ أي : مع ذلك إن قتلوا وأخذوا المال أي : والصلب ثلاثاً بعد القتل ﴿أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف﴾ أي : أيديهم اليمنى وأرجلهم اليسرى إن اقتصروا على أخذ المال ﴿أو ينفوا من الأرض﴾ أي : إن أرعبوا ولم يأخذوا شيئاً أي : ينفوا من بلد إلى بلد إن رأى الإمام ذلك وإن رأى حبسهم فله ذلك ولو في بلدهم، هكذا فسر الآية ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فحمل كلمة أو على التنويع لا التخيير كما في قوله تعالى :﴿وقالوا كونوا هوداً أو نصارى﴾ (البقرة، ١٣٥) أي : قالت اليهود : كونوا هوداً وقالت النصارى : كونوا نصارى إذ لم يخيّر أحد منهم بين اليهودية والنصرانية ﴿ذلك﴾ أي : الجزاء العظيم ﴿لهم خزي﴾ أي : ذل وإهانة ﴿في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم﴾ هو عذاب النار واحتج أكثر أهل العلم على أنّ هذه الآية
٤٣١
نزلت في قطاع الطريق بقوله تعالى :
﴿إلا الذين تابوا﴾ أي : رجعوا عما كانوا عليه من المحاربة خوفاً من الله تعالى ﴿من قبل أن تقدروا عليهم﴾ أي : فإنّ حقوقه تعالى تسقط عنهم كالقطع والصلب وتحتم القتل ويبقى القصاص والمال لأنه حق آدمي لا يسقط بالتوبة ﴿فاعلموا أنّ الله غفور﴾ لهم ما أتوه ﴿رحيم﴾ بهم، ولو كانت نزلت في الكفار لكانت توبتهم بالإسلام وهو رافع للعقوبة قبل القدرة وبعدها.
﴿
جزء : ١ رقم الصفحة : ٤٣٠
يأيها الذين آمنوا اتقوا الله﴾
أي : خافوا عقابه بأن تطيعوه ﴿وابتغوا إليه الوسيلة﴾ أي : اطلبوا ما تتوسلون به إلى ثوابه، والزلفى منه من فعل الطاعات وترك المعاصي من وسل إلى كذا إذا تقرّب إليه قال لبيد :
*أرى الناس لا يدرون ما قدر أمرهم ** ألا كلّ ذي لب إلى الله وَاسِلَ*
وفي الحديث "الوسيلة منزلة في الجنة" ﴿وجاهدوا في سبيله﴾ بمحاربه أعدائه لتكون كلمة الله هي العليا ﴿لعلكم تفلحون﴾ بالوصول إلى الله عز وجل والفوز بكرامته.
﴿إنّ الذين كفروا لو﴾ ثبت ﴿أنّ لهم ما في الأرض﴾ من صنوف الأموال وأكده بقوله :﴿جميعاً ومثله معه ليفتدوا به﴾ أي : ليجعلوه فدية لأنفسهم ﴿من عذاب يوم القيامة ما تقبل منهم﴾ أي : لأنّ المدفوع إليه ذلك تامّ القدرة وله الغنى المطلق ﴿ولهم﴾ بعد ذلك ﴿عذاب أليم﴾ أي : مؤلم.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٤٣٠
٤٣٢


الصفحة التالية
Icon