﴿وكتبنا﴾ أي : فرضنا ﴿عليهم﴾ أي : اليهود ﴿فيها﴾ أي : التوراة ﴿أن النفس﴾ تقتل ﴿بالنفس﴾ إذا قتلتها ﴿والعين﴾ تفقأ ﴿بالعين﴾ أي : بعين من فقأها ﴿والأنف﴾ تجدع ﴿بالأنف﴾ أي : بأنف من جدعه ﴿والأذن﴾ تقطع ﴿بالأذن﴾ أي : بأذن من قطعها ﴿والسنّ﴾ تقلع ﴿بالسنّ﴾ أي : بسنّ من قلعها ﴿والجروح قصاص﴾ أي : يقتص فيها إذا أمكن كاليد والرجل والذكر ونحو ذلك وما لا يمكن فيه القصاص فيه الحكومة وهذا الحكم وإن كتب عليهم فهو مفروض في شرعنا.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٤٣٥
وقرأ الكسائي هذه الألفاظ الخمسة وهي : العين بالعين إلى آخرها بالرفع على أنها جمل معطوفة على "أنّ" وما في حيزها باعتبار المعنى، وكأنه قيل : كتبنا عليهم النفس بالنفس والعين بالعين فإنّ الكتابة والقراءة يقعان على الجمل كالقول أو مستأنفة ووافق الكسائي ابن كثير وأبو
٤٣٦
عمرو وابن عامر في الجروح فقط والباقون بالنصب في الجميع وسكن نافع الذال من الأذن وقرأ الباقون برفعها.
﴿فمن تصدّق به﴾ أي : القصاص بأن مكن من نفسه ﴿فهو﴾ أي : التصدّق بالقصاص ﴿كفارة له﴾ أي : لما أتاه فلا يعاقب ثانياً في الآخرة وقيل : فمن تصدّق به من أصحاب الحق فالتصدُق به كفارة للمتصدِق يكفر الله تعالى به من سيآته ما تقتضيه الموازنة كسائر طاعاته، وعن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما : تهدم عنه ذنوبه بقدر ما تصدق به. وقيل : فهو كفارة للجاني إذا تجاوز عنه صاحب الحق سقط عنه ما لزمه ﴿ومن لم يحكم بما أنزل الله﴾ أي : في القصاص وغيره ﴿فأولئك هم الظالمون﴾ أي : الذين تركوا العدل فضلّوا فصاروا كمن يمشي في الظلام فإن كان تديُّناً بالترك كان نهاية للظلم وهو الكفر وإلا كان عصياناً لأنّ الله تعالى أحق أن يخشى ويرجى.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٤٣٥
﴿وقفينا﴾ أي : أتبعنا ﴿على آثارهم﴾ أي : النبيّين الذين يحكمون بالتوراة ﴿بعيسى بن مريم﴾ ﷺ ونسبه تعالى إلى أمّه إشارة إلى أنّه لا والد له تكذيباً لليهود وإلى أنه عبد مربوب تكذيباً للنصارى ﴿مصدّقاً لما بين يديه﴾ أي : قبله مما أتى به موسى عليه السلام ﴿من التوراة﴾ وأشار تعالى بقوله :﴿وآتيناه الإنجيل﴾ أي : أنزلناه عليه كما أنزلنا التوراة على موسى عليهما الصلاة والسلام إلى أنه ناسخ لكثير من أحكامها ﴿فيه هدى﴾ من الضلالة ﴿ونور﴾ أي : بيان للأحكام وقوله تعالى :﴿ومصدّقاً﴾ أي : الإنجيل حال ﴿لما بين يديه﴾ أي : قبله.
ولما كان الذي نزل قبله كثيراً بين المراد بقوله :﴿من التوراة﴾ أي : لما فيها من الأحكام فالأول : صفة لعيسى عليه الصلاة والسلام والثاني : صفة لكتابه أي : فهو والتوراة والإنجيل
٤٣٧
يتصادقون فكل من الكتابين يصدق الآخر وهو يصدقهما لم يتخالفوا في شيء بل هو متخلق بجميع ما أتى به ﴿وهدى وموعظة للمتقين﴾ أي : كل ما فيه يهتدون به ويتعظون فترق قلوبهم ويعتبرون به.
﴿
جزء : ١ رقم الصفحة : ٤٣٧
وليحكم أهل الإنجيل﴾
وهم اتباع عيسى عليه الصلاة والسلام ﴿بما أنزل الله فيه﴾ أي : من الأحكام، وقرأ حمزة بكسر اللام ونصب الميم عطفاً على معمول آتيناه والباقون بكسر اللام وسكون الميم على الأمر أي : فلينته أهل التوراة عما نسخ منها وليحكم أهل الإنجيل إلخ.. ﴿ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون﴾ أي : المختصّون بكمال الفسق فإن كان تديّناً كان كفراً وإن كان لاتّباع الشهوات كان مجرد معصية لأنّ الحظوظ والشهوات تحمل على الخروج من دائرة الشّرع مرّة بعد أخرى.
﴿وأنزلنا إليك﴾ يا محمد خاصة ﴿الكتاب﴾ أي : الكامل في جمعه لكل ما يطلب منه وهو القرآن وقوله تعالى :﴿بالحق﴾ متعلق بأنزلنا ﴿مصدّقاً لما بين يديه﴾ أي : قبله.
لما كانت الكتب السماوية من شدّة تصادقها كالشيء الواحد عبّر تعالى بالمفرد فقال :﴿من الكتاب﴾ أي : الكتب المنزّلة التي جاء بها الأنبياء من قبل، فاللام الأولى في الكتاب للعهد ؛ لأنه عني به القرآن والثانية للجنس لأنه عني به جنس الكتب المنزلة ﴿ومهيمناً عليه﴾ أي : رقيباً على سائر الكتب أي : يحفظها من التغيير والتبديل ويشهد لها بالصحة والثبات ﴿فاحكم بينهم﴾ أي : بين جميع أهل الكتاب إذا ترافعوا إليك ﴿بما أنزل الله﴾ إليك في هذا الكتاب الناسخ لكتبهم المهيمن عليها في إثبات ما أسقطوه منها من أمرهم باتباعك ونحو ذلك من أوصافك ﴿ولا تتبع أهواءهم﴾ فيما خالفه عادلاً ﴿عما جاءك من الحق﴾ بالانحراف عنه إلى ما يشتهونه.


الصفحة التالية
Icon