﴿ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا﴾ أي : ومن يتخذهم أولياء وقيل : من يعنهم وينصرهم ﴿فإنّ حزب الله هم الغالبون﴾ أي : فإنهم هم الغالبون ولكن وضع الظاهر موضع المضمر إظهاراً لما شرفهم به ترغيباً لهم في ولايته وتشريفاً لهم بهذا الاسم فكأنه قيل : ومن يتول هؤلاء فإنهم حزب الله وحزب الله هم الغالبون وتعريضاً بمن يوالي هؤلاء بأنه حزب الشيطان وأصل الحزب القوم يجتمعون لأمر حزبهم.
ونزل في رفاعة بن زيد وسويد بن حارث اللذين أظهرا الإسلام ثم نافقا وكان رجال من المسلمين يوادّونهما.
﴿يأيها الذين آمنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم﴾ أي : شرفكم الله به ﴿هزواً﴾ أي : مهزواً به ﴿ولعباً﴾ ثم بين المنهي عن موالاتهم بقوله تعالى :﴿من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم﴾ أي : اليهود. ولما خصص عمم بقوله :﴿والكفار﴾ أي : من عبدة الأوثان وغيرهم ﴿أولياء﴾ أي : فإنّ الفريقين اجتمعوا على حسدكم وازدرائكم فلا تصح لكم مولاتهم، وقرأ أبو عمرو والكسائي بخفض الراء والباقون بالنصب عطفاً على الذين اتخذوا على أنّ النهي عن موالاة من ليس على الحق رأساً سواء من كان ذا دين تبع فيه الهوى وحرفه عن الصواب كأهل الكتاب ومن لم يكن كالمشركين ﴿واتقوا الله﴾ أي : بترك المناهي ﴿إن كنتم مؤمنين﴾ أي : صادقين في إيمانكم فإنّ
٤٤٢
الإيمان حقاً يقتضي ذلك وقوله تعالى :
جزء : ١ رقم الصفحة : ٤٣٩
﴿وإذا ناديتم﴾ معطوف على الذين قبله أي : ولا تتخذوا الذين إذا ناديتم أي : دعوتم ﴿إلى الصلاة﴾ بالأذان ﴿اتخذوها﴾ أي : الصلاة ﴿هزواً ولعباً﴾ بأن يستهزؤا بها ويتضاحكوا ويقولوا : صاحوا كصياح العير، وفي هذا دليل على أنّ الأذان مشروع للصلوات المكتوبات.
روى الطبراني أنّ نصرانياً بالمدينة كان إذا سمع المؤذن يقول : أشهد أنّ محمداً رسول الله قال : أحرق الله الكاذب فدخل خادمه ذات ليلة بنار وأهله نيام فتطاير شرره في البيت فأحرقه وأهله ﴿ذلك﴾ أي : الاتخاذ ﴿بأنهم﴾ أي : بسبب إنهم ﴿قوم لا يعقلون﴾ أي : فإنّ السفه يؤدّي إلى الجهل بالحق والهزء به والعقل يمنع منه ونزل لما سأل نفر من اليهود النبيّ ﷺ عمن يؤمن به من الرسل فقال : أومن بالله وما أنزل إلينا الآية، فقالوا حين سمعوا ذكر عيسى ما نعلم أهل دين أقل حظاً في الدنيا والآخرة منكم ولا ديناً شراً من دينكم.
﴿
جزء : ١ رقم الصفحة : ٤٤٣
قل يأهل الكتاب هل تنقمون﴾
أي : تنكرون ﴿منا﴾ وتعيبون يقال : نقم منه كذا أنكره وانتقم إذا كافأه ﴿إلا أن آمنا با وما أنزل إلينا وما أنزل من قبل﴾ أي : إلى الأنبياء وقوله تعالى :﴿وأنّ أكثركم فاسقون﴾ عطف على أن آمنا والمعنى ما تنكرون منا إلا إيماننا ومخالفتكم في عدم قبول الإيمان المعبّر عن عدم قبوله بالفسق اللازم عن عدم القبول وليس هذا مما ينكر.
﴿قل﴾ لهم يا محمد ﴿هل أنبئكم﴾ أي : أخبركم ﴿بشرّ من ذلك﴾ أي : الذي تنتقمونه ﴿مثوبه عند الله﴾ نصب مثوبة على التمييز أي : ثواباً بمعنى جزاءً.
فإن قيل : المثوبة مختصة بالإحسان كما أنّ العقوبة مختصة بالشر أجيب : بأنّ ذلك على سبيل
٤٤٣
التهكم كما في قوله تعالى :﴿فبشرهم بعذاب أليم﴾ (آل عمران، ٢١) وقوله تعالى :﴿من لعنه الله وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير﴾ (المائدة، ٦٠) بدل من بشر على حذف مضاف قبل لفظ ذلك أو قبل لفظ من لعنه وتقديره : بشر من أهل ذلك من لعنه الله أو بشر من ذلك دين من لعنه الله لأنّ الدّين المشار إليه غير مطابق لقوله : من لعنه الله في معنى يشترك فيه لفظ شر فيقدر أهل قبل ذلك أو دين قبل من ليطابق.
فإن قيل : هذا يقتضي كون الموصوفين بذلك الدين محكوماً عليهم بالشرّ ومعلوم إنه ليس كذلك أجيب : بأنه إنما خرج الكلام على حسب قولهم واعتقادهم، فإنهم حكموا بأنّ اعتقاد ذلك الدين شر فقيل لهم : هب أنّ الأمر كذلك لكن لعنة الله وغضبه ومسخ الصور شرّ من ذلك والذين لعنهم الله في هذه الآية هم اليهود أبعدهم الله من رحمته وسخط عليهم بكفرهم وانهماكهم في المعاصي بعد وضوح الآيات ومسخ بعضهم قردة وهم أصحاب السبت وبعضهم خنازير وهم كفار أهل مائدة عيسى، وقيل : كلا المسخين في أصحاب السبت مسخت شبانهم قردة ومشايخهم خنازير.
روي أنها لما نزلت كان المسلمون يعيرون اليهود ويقولون : يا إخوة القردة والخنازير فينكسون رؤوسهم وقوله تعالى :﴿وعبد الطاغوت﴾ عطف على صلة من كأنه قيل : ومن عبد الطاغوت وقرأ حمزة بضم باء عبد وكسرتاه الطاغوت على أنه اسم جمع لعبد عطف على من والباقون بنصب الباء من عبد والتاء من الطاغوت والطاغوت الشيطان أو العجل لأنه معبود من دون الله ولأنّ عبادتهم للعجل مما زينه لهم الشيطان فكانت عبادتهم له عبادة للشيطان وهو الطاغوت، وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : الطاغوت الكهنة وكل من أطاعوه في معصية الله تعالى.


الصفحة التالية
Icon