والفأرة والكلب" وفي رواية أخرى الحية بدل العقرب مع ما فيه من التنبيه على جواز قتل كل مؤذ وإنما ذكر القتل دون الذبح والذكاة للتعميم فإنّ مذبوح المحرم ميتة ﴿ومن قتله منكم متعمداً﴾ أي : قاصداً للصيد ذاكراً للاحرام إن كان محرماً والحرم إن كان فيه عالماً بالتحريم وذكر العمد ليس لتقييد وجوب الجزاء فإنّ إتلاف العامد والمخطىء واحد في إيجاب الضمان بل لقوله تعالى :﴿ومن عاد فينتقم الله منه﴾ ولأنّ الآية نزلت فيمن تعمد إذ روي أنه عنّ لهم في عمرة الحديبية حمار وحش فطعنه أبو قتادة برمحه فقتله فنزلت، وعن الزهريّ نزل الكتاب بالعمد ووردت السنة بالخطأ، وعن سعيد بن جبير : لا أرى في الخطأ شيئاً باشتراط العمد في الآية، وعن الحسن روايتان وقوله تعالى :﴿فجزاء﴾ منوّن في قراءة عاصم وحمزة والكسائيّ وما بعده مرفوع أي : فعليه جزاء هو ﴿مثل ما قتل من النعم﴾ أي : شبهه في الخلقة لا التساوي في القيمة، وقرأ الباقون بغير تنوين في جزاء وخفض لام مثل ﴿يحكم به﴾ أي : المثل رجلان ﴿ذوا عدل منكم﴾ أي : لهما فطنة يميزان بها أشبه الأشياء به فيحكمان به وقد ذهب إلى إيجاب المثل جماعة من الصحابة حكموا في بلدان مختلفة بالمثل من النعم فحكم ابن عباس وعمر وعليّ في النعامة ببدنة وهي لا تساوي بدنة وعمر في الضبع بكبش وهو لا يساوي كبشاً وابن عباس وأبو عبيدة في بقر الوحش وحماره ببقرة، ابن عمر وابن عوف في الظبي بشاة وحكم بها ابن عباس وعمر وغيرهما في الحمام لأنه يشبهها في العب، والحمام كل ما عبّ وهدر من الطير كالفواخت والقمري والدبسيّ فدلّ ذلك على أنهم ينظرون إلى ما يقرب من الصيد شبهاً من حيث الخلقة لا من حيث القيمة.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٤٥٧
وقوله :﴿هدياً﴾ حال من جزاء وقوله تعالى :﴿بالغ الكعبة﴾ أي : يبلغ به الحرم فيذبح فيه ويتصدّق به على مساكينه ولا يجوز أن يذبح حيث كان وهو نعت لما قبله وإن أضيف إلى معرفة لأنّ إضافته لفظية لا تفيد تعريفاً فإن لم يكن للصيد مثل من النعم كالعصفور والجراف فعليه قيمته ﴿أو﴾ عليه ﴿كفارة طعام مساكين﴾ في الحرم من غالب قوت البلد مما يساوي قيمة الجزاء لكل مسكين مدّ، وقرأ نافع وابن عامر كفارة بغير تنوين وخفض ميم طعام والباقون بالتنوين ورفع ميم طعام أي : هي طعام ﴿أو﴾ عليه ﴿عدل﴾ أي : مثل ﴿ذلك﴾ أي : الطعام ﴿صياماً﴾ يصومه في كل موضع يتيسر له عن كلّ مدّ يوماً، فأو للتخيير لأنه الأصل فيها، قال البقاعي : والقول بأنها للترتيب يحتاج إلى دليل.
وقوله تعالى :﴿ليذوق وبال أمره﴾ متعلق بمحذوف أي : فعليه الجزاء أو الطعام أو الصوم ليذوق سوء عاقبة هتكه لحرمة الإحرام والوبال المكروه والضرر الذي يناله في العاقبة من عمل سوء لثقله عليه من قوله تعالى :﴿فأخذناه أخذاً وبيلاً﴾ (المزمل، ١٦) أي : ثقيلاً والطعام الوبيل الذي ينقل على المعدة ولا يستمر ﴿عفا الله عما سلف﴾ أي : من قتل الصيد قبل تحريمه فلا يؤاخذكم به ﴿ومن عاد﴾ إلى تعمد شيء من ذلك بعد النهي وقوله تعالى :﴿فينتقم الله منه﴾ خبر مبتدأ محذوف تقديره فهو ينتقم الله منه ولذلك دخلت الفاء ونحو ذلك قوله تعالى :﴿فمن يؤمن بربه فلا يخاف بخساً ولا رهقاً﴾ (الجن، ١٣) أي : ينتقم الله تعالى منه في الآخرة وإذا تكرّر من المحرم قتل الصيد تعدّدت عليه الكفارة عند عامّة العلماء.
٤٥٩
وعن ابن عباس وشريح : لا كفارة عليه تعلقاً بظاهر الآية فإنه لم يذكر الكفارة قالا : لأنّ الانتقام من العائد يمنع وجوب الكفارة ﴿وا﴾ الذي له صفات الكمال ﴿عزيز﴾ أي : غالب على أمره ﴿ذو انتقام﴾ أي : ممن أصبر على عصيانه.
ولما كان هذا عاماً في كل صيد بيّن الله تعالى أنه خاص بصيد البرّ فقال :
جزء : ١ رقم الصفحة : ٤٥٧
﴿أحلّ لكم﴾ أيها الناس حلالاً كنتم أو محرمين ﴿صيد البحر﴾ أي : ما صيد منه وهو ما لا يعيش إلا في الماء كالسمك بخلاف ما يعيش فيه وفي البرّ عند الشافعيّ رحمه الله تعالى وذهب قوم إلى أنّ جميع ما في البحر حلال وظاهر الآية حجة له. وعند أبي حنيفة رحمه الله تعالى : لا يحلّ منه إلا السمك، وقوله تعالى :﴿وطعامه﴾ عطف على صيد البحر أي : وأحلّ لكم طعام البحر وهو ما يقذفه من السمك ميتاً قال ﷺ في البحر :"هو الطهور ماؤه الحلّ ميتته" رواه أبو داود والترمذيّ وغيرهما وصححوه وقال قتادة : صيده طريه وطعامه مالحه، وقيل : الضمير للصيد وطعامه أكله وعلى هذا فالصيد بمعنى الاصطياد والمعنى : أحلّ لكم اصطياد الصيد وأكل المصيد من الأنهار والبرك وغيرهما من جميع المياه كالبحر.
وقوله تعالى :﴿متاعاً﴾ مفعول أي : أحلّ ﴿لكم﴾ تمتيعاً لكم تأكلونه طرياً ﴿وللسيارة﴾ أي : المسافرين منكم يتزوّدونه قديداً كما تزوّد موسى ﷺ في مسيره إلى الخضر الحوت {وحرّم عليكم
٤٦٠