صيد البرّ} أي : اصطياده وأكل ما صيد منه لكم وهو ما لا يعيش إلا فيه وما يعيش فيه وفي البحر فإن صيد الحلال حل للمحرم أكله لقوله ﷺ "لحم الصيد حلال لكم ما لم تصطادون أو يصد لكم" ﴿ما دمتم حرماً﴾ أي : محرمين وقد ذكر تعالى تحريم الصيد على المحرم في ثلاث مواضع من هذه السورة قوله تعالى :﴿غير محلى الصيد وأنتم حرم﴾ (المائدة، ١) إلى قوله تعالى :﴿وإذا حللتم فاصطادوا﴾ (المائدة، ٢) وقوله تعالى :﴿لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم﴾ (المائدة، ٩٥) وقوله تعالى :﴿وحرم عليكم صيد البرّ ما دمتم حرماً﴾ (المائدة، ٩٦) تشديداً على المحرم أنه لا يتعاطى ذلك وأكد ذلك بقوله تعالى :﴿واتقوا الله﴾ أي : في ذلك الاصطياد وغيره ﴿الذي إليه تحشرون﴾ فإنه مجازيكم بأعمالكم.
﴿
جزء : ١ رقم الصفحة : ٤٦٠
جعل الله الكعبة﴾
أي : صيرها وسمى البيت كعبة لتكعبه أي : تربعه وقال مجاهد : سميت كعبة لترفعها والعرب تسمي كل بيت مرتفع كعبة وقال مقاتل : سميت كعبة لانفرادها من البناء وقوله تعالى :﴿البيت الحرام﴾ أي : المحترم عطف بيان على جهة المدح لا على جهة التوضيح كما تجيء الصفة كذلك ﴿قياماً للناس﴾ أي : يقوم به أمر دينهم بالحج أو العمرة إليه ودنياهم بأمن داخله وعدم التعرّض له وجبي ثمرات كل شيء إليه قال الرازي : والمراد بعض الناس وهم العرب وإنما حسن هذا المجاز ؛ لأنّ أهل كل بلد إذا قالوا : الناس فعلوا كذا وصنعوا كذا فهم لا يريدون إلا أهل بلدتهم فلهذا السبب خوطبوا بهذا الخطاب على وفق عادتهم. وقرأ ابن عامر قيماً بغير ألف مصدر قام غير معل والباقون بالألف.
﴿والشهر الحرام﴾ أي : الأشهر الحرم وهي ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب أي : صير الأشهر الحرم قياماً للناس يأمنون فيها من القتال ﴿والهدي﴾ أي : الذي لم يقلد ﴿والقلائد﴾ أي : الهدى الذي يقلد فيذبح ويقسم على الفقراء ومرّ الكلام عليه في أوّل السورة ﴿ذلك﴾ أي : الجعل المذكور وهو الأربعة الأشياء التي جعلها الله قياماً للناس ﴿لتعلموا أنّ الله يعلم ما في السموات وما في الأرض﴾ فإن شرع الأحكام لدفع المضار قبل وقوعها وجلب المنافع المترتبة عليها دليل على علمه بما في الوجود وما هو كائن وقوله تعالى :﴿وإنّ الله بكل شيء عليم﴾ تعميم بعد تخصيص ومبالغة بعد إطلاق وقوله تعالى :
﴿اعلموا أنّ الله شديد العقاب﴾ فيه وعيد لأعدائه ممن انتهك محارمه وقوله تعالى :﴿وإنّ الله غفور﴾ فيه وعد لأوليائه ممن حافظ عليها ﴿رحيم﴾ بهم وقوله تعالى :
﴿ما على الرسول إلا البلاغ﴾ فيه تشديد على إيجاب القيام بما أمر به وأنّ الرسول ﷺ قد فرغ مما وجب عليه من التبليغ وقامت عليكم الحجة ولزمتكم الطاعة فلا عذر لكم في التفريط ﴿وا يعلم ما تبدون﴾ أي : تظهرون من العمل ﴿وما تكتمون﴾ أي : تخفون منه فيجازيكم به.
وقوله تعالى :
﴿قل لا يستوي الخبيث والطيب﴾ حكم عام في نفي المساواة عند الله تعالى بين الرديء من الأشخاص والأعمال والأموال وجيدها رغب به في صالح العمل وحلال المال ﴿ولو أعجبك كثرة الخبيث﴾ إذ لا عبرة بالقلة والكثرة بل بالجودة والرداءة فإنّ المحمود القليل خير من المذموم الكثير، والخطاب لكل معتبر ولذلك قال تعالى :﴿فاتقوا الله﴾ أي : في ترك الخبيث وإن كثر في الحس لنقصه في المعنى وآثِروا الطيب وإن قلّ في الحس لكثرته في المعنى ﴿يا أولي
٤٦١
الألباب﴾
أي : أصحاب العقول السليمة ﴿لعلكم تفلحون﴾ أي : لتكونوا على رجاء من أن تفوزوا بجميع المطالب.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٤٦٠
ونزل لما أكثروا سؤاله صلى الله عليه وسلم
﴿يأيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد﴾ أي : تظهر ﴿لكم تسؤكم﴾ أي : لما فيها من المشقة فقيل : سبب نزولها ما في الصحيحين عن أنس رضي الله تعالى عنه إنهم لما سألوا النبيّ ﷺ حتى أحفوه المسألة أي : بالغوا في السؤال فغضب وصعد المنبر وقال :"لا تسألوني اليوم عن شيء إلا بينته لكم" وشرع يكرّر ذلك وإذا رجل كان إذا لاحى الرجال يدعى لغير أبيه فقال : يا رسول الله من أبي ؟
فقال :"حذافة" فقال عمر رضي الله تعالى عنه : رضينا بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد ﷺ رسولاً نعوذ بالله من الفتن فقال رسول الله ﷺ "ما رأيت في الخير والشر كاليوم قط إنه قد صورت لي الجنة والنار حتى رأيتهما وراء الحائط في آخره" فنزلت هذه الآية.


الصفحة التالية
Icon