وأمّا الوصيلة فمن الغنم كانت إذا ولدت سبعة أبطن نظر فإن كان السابع ذكراً ذبحوه فأكل منه الرجال والنساء وإن كانت أنثى تركوها في الغنم وقيل : إذا ولدت الشاة أنثى فهي لهم وإن ولدت ذكراً فهو لآلهتهم فإن ولدت ذكراً وأنثى قالوا : وصلت أخاها فلم يذبحوا الذكر لآلهتهم
٤٦٣
وكان ابن الأنثى حراماً على النساء فإن مات منها شيء أكله الرجال والنساء جميعاً.
وأمّا الحام فهو الفحل إذا ركب ولد ولده ويقال : إذا نتجت من صلب الفحل عشرة أبطن قالوا : قد حمى ظهره فلا يركب ولا يحمل عليه ولا يمنع من ماء ولا مرعى. وإذا مات أكله الرجال والنساء.
وروي "أنه ﷺ قال لأكثم الخزاعي : يا أكثم رأيت عمرو بن لحى يجرّ قصبه في النار فما رأيت من رجل أشبه برجل منك به ولا به منك وذلك أنه أوّل من غير دين إسماعيل ونصب الأوثان وبحر البحيرة وسيب السائبة ووصل الوصيلة وحمى الحامي ولقد رأيته في النار يؤذي أهل النار بريح قصبه" فقال أكثم : أيضرني شبهه يا رسول الله ؟
قال :"لا إنك مؤمن وهو كافر" ومعنى ﴿ما جعل الله﴾ أي : ما شرع ذلك ولا أمر بالتبحير ولا التسيب ولا غير ذلك ﴿ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب﴾ في قولهم : إنّ الله أمرنا بها ﴿وأكثرهم لا يعقلون﴾ أنّ ذلك افتراء لأنهم قلدوا فيه آباءهم كما قال تعالى :
جزء : ١ رقم الصفحة : ٤٦٠
﴿وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول قالوا حسبنا﴾ أي : كافينا ﴿ما وجدنا عليه آباءنا﴾ إذ لا مستند لهم سوى ذلك قال الله تعالى :﴿أولو كان آباؤهم لا يعلمون شيئاً ولا يهتدون﴾ أي : إلى الحق والاستفهام للإنكار أي : أحسبهم ما وجدوا عليه آباءهم ولو كانوا جهلة ضالين. وقرأ هشام والكسائيّ قيل بضم القاف قبل الياء والباقون بالكسر.
﴿يأيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم﴾ أي : احفظوها والزموا إصلاحها ﴿لا يضركم من ضل إذا اهتديتم﴾ أي : لا يضركم الضالّ إذا كنتم مهتدين ومن الاهتداء أن ينكر المنكر حسب طاقته كما قال عليه الصلاة والسلام :"من رأى منكراً واستطاع أن يغيره بيده فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه".
وروي عن أبي بكر الصدّيق رضي الله تعالى عنه أنه قال : يا أيها الناس إنكم تقرأون هذه الآية ﴿يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم﴾ الآية وتضعونها غير موضعها ولا تدرون ما هي وإني سمعت رسول الله ﷺ يقول :"إنّ الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه يوشك أن يعمهم الله بعذابه". وفي رواية "لتأمرن بالمعروف ولتنهنّ عن المنكر أو ليستعملنّ الله عليكم شراركم فيسومونكم سوء العذاب ثم ليدعون الله خياركم فلا يستجاب لهم".
جزء : ١ رقم الصفحة : ٤٦٤
قال أبوعبيدة : خاف الصدّيق رضي الله تعالى عنه أنه يتأوّل الناس الآية غير متأوّلها فيدعوهم إلى ترك الأمر بالمعروف فأعلمهم أنها ليست كذلك، قال أبو ثعلبة الخشني : سألت عن هذه الآية رسول الله ﷺ فقال :"بل ائتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر حتى إذا رأيت شحّاً مطاعاً وهوى متبعاً ودنيا مؤثرة وإعجاب كل ذي رأي برأيه ورأيت الأمر لا بدّ لك منه فعليك نفسك ودع أمر العامة وإن وراءكم أيام الصبر فمن صبر فيهنّ قبض على الجمر وإنّ وراءكم أياماً للعامل فيهنّ مثل
٤٦٤
أجر خمسين رجلاً يعملون مثل عمله" قال ابن المبارك وزادني غيره قال :"أجر خمسين منكم".
وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنّ هذه الآية قرئت عنده فقال : إنّ هذا ليس بزمانها إنها اليوم مقبولة ولكن يوشك أن يأتي زمان تأمرون فلا يقبل منكم فحينئذٍ عليكم أنفسكم فهي على هذا تسلية لمن يأمر وينهى فلا يقبل منه وبسط لعذره وعنه ليس هذا زمان تأويلها قيل : فمتى ؟
قال : إذا حال دونها السيف والسوط والحبس.
وروي :"المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كان كذا وكذا فإن لو تفتح عمل الشيطان ولكن قل قدّر الله وما شاء فعل". وقيل : كان الرجل إذا أسلم قالوا له : سفهت آباءك ولاموه فنزلت : عليكم أنفسكم وعليكم من أسماء الفعل بمعنى الزموا أنفسكم ولذلك نصب أنفسكم ﴿إلى الله مرجعكم جميعاً﴾ الضال والمهتدي ﴿فينبئكم بما كنتم تعملون﴾ فيجازيكم به، وفي ذلك وعد ووعيد للفريقين وتنبيه على أنّ أحداً لا يؤاخذ بذنب أحد غيره.
﴿يأيها الذين آمنوا شهادة بينكم﴾ أي : فيما أمرتم شهادة بينكم فشهادة مبتدأ خبره محذوف، قيل : هذه الآية وما بعدها من أشكل آي القرآن حكماً وإعراباً وتفسيراً والمراد بالشهادة الإشهاد بالوصية.


الصفحة التالية
Icon