وقيل : المراد بها اليمين بمعنى يمين ما بينكم أن يحلف اثنان، قال القرطبي : ورد لفظ الشهادة في القرآن على أنواع مختلفة بمعنى الحضور قال تعالى :﴿فمن شهد منكم الشهر فليصمه﴾ (البقرة، ١٨٥) وبمعنى قضى قال تعالى :﴿شهد الله أنه لا إله إلا هو﴾ (ال عمران، ١٨) وبمعنى أقرّ قال تعالى :﴿والملائكة يشهدون﴾ (النساء، ١٦٦) وبمعنى حكم قال تعالى :﴿وشهد شاهد من أهلها﴾ (يوسف، ٢٦) وبمعنى حلف قال تعالى :﴿فشهادة أحدهم أربع شهادات﴾ (النور، ٦) وبمعنى وصى قال تعالى :﴿يأيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت﴾ أي : أسبابه ﴿حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم﴾ وهذا خبر بمعنى الأمر أي : ليشهد وإضافة شهادة ل "بين" على الاتساع وحين بدل من إذا أو ظرف لحضر واثنان فاعل شهادة أو خبر مبتدأ محذوف أي : الشاهد اثنان ومن فسر الغير بأهل الذمّة جعله منسوخاً فإنّ شهادته على المسلم لا تسمع إجماعاً، وقد اتفق الأكثرون على أنه لا نسخ في سورة المائدة، وعن مكحول نسخها قوله تعالى :﴿وأشهدوا ذوي عدل منكم﴾ (الطلاق، ٢) وإنما جازت في أوّل الإسلام لقلة المسلمين وتعذر وجودهم في حال السفر.
﴿
جزء : ١ رقم الصفحة : ٤٦٤
إن أنتم ضربتم﴾
أي : سافرتم ﴿في الأرض فأصابتكم مصيبة الموت﴾ أي : قاربتم الأجل وقوله تعالى :﴿تحبسونهما﴾ أي : توقفونهما وتصبرونهما صفة لآخران ﴿من بعد الصلاة﴾ أي : صلاة العصر لأنه وقت اجتماع الناس وتصادم ملائكة الليل وملائكة النهار. وقيل : أيّ صلاة كانت ﴿فيقسمان﴾ أي : يحلفان ﴿با﴾ وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنّ اليمين إنما تكون إذا
٤٦٥
كانا من غيرنا فإن كانا مسلمين فلا يمين، وعن غيره : إن كان الشاهدان على حقيقتهما فقد نسخ تحليفهما، وإن كانا الوصيين فلا إثم شرط لهذا الحلف شرطاً فقال اعتراضاً بين القسم والمقسم عليه ﴿إن ارتبتم﴾ أي : شككتم فيما أخبرا به عن الواقعة ثم ذكر المقسم عليه بقوله :﴿لا نشتري به ثمناً﴾ أي : بهذا الذي ذكرناه ثمناً أي : لم نذكره ليحصل لنا به غرض دنيوي وإن كان في نهاية الجلالة وليس قصدنا به إلا إقامة الحق ﴿ولو كان﴾ أي : القسم له ﴿ذا قربى﴾ أي : لنا ﴿ولا نكتم شهادة الله﴾ أي : التي أمرنا بإقامتها ﴿إنا إذا﴾ أي : إذا كتمناها ﴿لمن الآثمين﴾.
﴿فإن عثر﴾ أي : اطلع بعد حلفهما ﴿على أنهما استحقا إثماً﴾ أي : فعلاً ما يوحيه من خيانة أو كذب في الشهادة بأن وجد عندها مثلاً ما اتهما به وادعيا أنهما ابتاعاه من الميت أو وصى لهما به ﴿فآخران﴾ أي : فشاهدان آخران ﴿يقومان مقامهما﴾ أي : في توجيه اليمين عليهما ﴿من الذين استحق عليهم﴾ الوصية وهم الورثة على قراءة غير حفص بضم التاء وكسر الحاء على البناء للمفعول وعلى البناء للفاعل فهو الأوليان ويبدل من آخران ﴿الأوليان﴾ بالميت أي : الأقربان إليه، وقرأ حمزة وشعبة بتشديد الواو وكسر اللام وبسكون الياء وفتح النون على الجمع على أنه صفة للذين أو بدل منه أي : من الأوّلين الذين استحق عليهم والباقون بسكون الواو وفتح اللام والياء وألف بعد الياء وكسر النون على التثنية على أنه بدل من آخران كما مرّ أو خبر محذوف أي : هما الأوليان ﴿فيقسمان﴾ أي : هذان الآخران ﴿با﴾ ويقولان ﴿لشهادتنا﴾ أي : يميننا ﴿أحق﴾ أي : أصدق ﴿من شهادتهما﴾ أي : يمينهما ﴿وما اعتدينا﴾ أي : تجاوزنا الحق في اليمين ﴿إنا إذا﴾ أي : إذا وقع منا اعتداء ﴿لمن الظالمين﴾ أي : الواضعين الشيء في غير موضعه.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٤٦٤


الصفحة التالية
Icon