ومعنى الآيتين : أن المحتضر إذا أراد الوصية ينبغي أن يشهد عدلين من ذوي نسبه أو دينه على وصيته أو يوصي إليهما احتياطاً فإن لم يجدهما بأن كان في سفر فآخران من غيرهم ثم إن وقع نزاع وارتياب أقسما على صدق ما يقولان بالتغليظ في الوقت، فإن اطلع على أنهما كذبا بأمارة أو مظنة حلف آخران من أولياء الميت والحكم منسوخ إن كان الاثنان شاهدين فإن الشاهد لا يحلف ولا تعارض يمينه بيمين الوارث، وثابت إن كانا وصيين وردّ اليمين إلى الورثة إمّا لظهور خيانة الوصيين فإنّ تصديق الوصي باليمين لأمانته أو لتغيير الدعوى وتخصيص الحلف في الآية باثنين من أقرب الورثة لخصوص الواقعة التي نزلت لها، وهي ما روي أنّ رجلاً من بني سهم خرج مع تميم الداري وعدي بن زيد إلى الشام للتجارة وكانا حينئذٍ نصرانيين ومعهما بديل مولى عمرو بن العاص وكان مسلماً فلما قدموا الشام مرض بديل فدوّن ما معه في صحيفة وطرحها في متاعه ولم يخبرهما بها وأوصى إليهما بأن يدفعا متاعه إلى أهله ومات ففتشاه وأخذا منه إناء من فضة فيه ثلثمائة مثقال منقوشاً بالذهب ثم قضيا حاجتهما وانصرفا إلى المدينة ودفعا المتاع إلى أهل الميت ففتشوا فأصابوا الصحيفة فيها تسمية ما كان معه فجاءوا تميماً وعدياً فقالوا : هل باع صاحبنا شيئاً ؟
قالا : لا قالوا : هل اتجر تجارة قالا : لا قالوا : فهل طال مرضه فأنفق على نفسه ؟
قالا لا قالوا : فإنا وجدنا في متاعه صحيفة فيها تسمية ما معه وإنا فقدنا منها إناء من فضة مموّهاً بالذهب ثلثمائة مثقال من فضة قالا : ما ندري إنما أوصى لنا بشيء وأمرنا أن ندفعه لكم فدفعناه وما لنا علم بالإناء فاحتصموا إلى رسول الله ﷺ فاجترآ على الإنكار وحلفا فأنزل تعالى الله :﴿يأيها الذين آمنوا﴾ الآية فلما نزلت هذه الآية صلى رسول الله ﷺ صلاة العصر ودعا تميماً وعدياً فاستحلفهما عند المنبر بالله الذي لا إله إلا هو أنهما لم يختانا شيئاً مما دفع إليهما فحلفا على ذلك وخلى رسول الله ﷺ سبيلهما، ثم وجد الإناء في
٤٦٦
أيديهما، فبلغ ذلك بني سهم فأتوهما في ذلك فقالا : إنا كنا قد اشتريناه منه فقالوا : ألم تزعما أنّ صاحبنا لم يبع شيئاً من متاعه ؟
قالا : لم يكن عندنا بينة وكرهنا أن نقر لكم فكتمنا لذلك فرفعوهما إلى رسول الله ﷺ فنزلت فإن عثر فقام عمرو بن العاص والمطلب بن أبي رفاعة السهميان وحلفا وتقدّم أنّ تخصيص الحلف في الآية باثنين من أقرب الورثة لخصوص الواقعة التي نزلت لها.
﴿
جزء : ١ رقم الصفحة : ٤٦٤
ذلك﴾
أي : الحكم المذكور من ردّ اليمين على الورثة ﴿أدنى﴾ أي : أقرب ﴿أن﴾ أي : إلى أن ﴿يأتوا﴾ أي : الذين شهدوا أوّلاً ﴿بالشهادة﴾ أي : الواقعة في نفس الأمر ﴿على وجهها﴾ أي : الذي تحملوها عليه من غير تحريف ولا خيانة ﴿أو﴾ أقرب إلى أن ﴿يخافوا أن تردّ أيمان بعد أيمانهم﴾ أي : على الورثة المدعين فيحلفون على خيانتهم وكذبهم فيفتضحون ويغرمون فلا يكذبوا وإنما جمع الضمير ؛ لأنه حكم يعم الشهود كلهم ﴿واتقوا الله﴾ بترك الخيانة والكذب ﴿واسمعوا﴾ ما تؤمرون به سماع قبول ﴿وا لا يهدي القوم الفاسقين﴾ أي : الخارجين عن طاعته لا يهديهم إلى حجة أو إلى طريق الجنة.
وقوله تعالى :
جزء : ١ رقم الصفحة : ٤٦٤
﴿يوم يجمع الله الرسل﴾ أي : يوم القيامة منصوب بإضمار اذكر. وقيل : بدل من مفعول واتقوا بدل اشتمال ﴿فيقول﴾ لهم توبيخاً لقومهم كما أنّ سؤال الموءودة لتوبيخ الوائد ﴿ماذا﴾ أي : الذي ﴿أجبتم﴾ به حين دعوتم إلى التوحيد ﴿قالوا لا علم لنا﴾ أي : لا علم لنا بما أنت تعلمه ﴿إنك أنت علام الغيوب﴾ فتعلم ما أجابونا وأظهروا لنا وما لم نعلم مما أضمروا في قلوبهم وقوله تعالى :
٤٦٧
﴿إذ قال الله يا عيسى بن مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك﴾ أي : اشكرها منصوب بإضمار اذكر، وقيل : بدل من يوم يجمع وهو على طريقة : ونادى أصحاب الجنة، والمعنى أنه تعالى يوبخ الكفرة يومئذٍ بسؤال الرسل عن إجابتهم وتعديد ما أظهروا عليهم من الآيات فكذبتهم طائفة وسموهم سحرة وغلا آخرون فاتخذوهم آلهة وقوله تعالى :﴿إذ أيدتك﴾ أي : قوّيتك ظرف لنعمتي أو حال منه ﴿بروح القدس﴾ أي : جبريل عليه السلام فكان له في الصغر حفظ لم يكن لغيره وقوله تعالى :
جزء : ١ رقم الصفحة : ٤٦٧


الصفحة التالية
Icon