﴿وقالوا لولا﴾ أي : هلا ﴿أنزل عليه﴾ أي : محمد ﷺ ﴿ملك﴾ يكلمنا أنه نبي كقوله تعالى :﴿لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيراً﴾ (الفرقان، ٧) ﴿ولو أنزلنا ملكاً بحيث﴾ عاينوه كما اقترحوا فلم يؤمنوا ﴿لقضي الأمر﴾ أي : لحق إهلاكهم فإنّ سنة الله تعالى جرت فيمن قبلهم أنهم إذا جاءهم مقترحهم فلم يؤمنوا به يهلكهم ﴿ثم لا ينظرون﴾ أي : لا يمهلون لتوبة أو معذرة.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٤٧٣
ونزل لما قال النضر بن الحارث وعبد الله بن أمية ونوفل بن خويلد : يا محمد لن نؤمن بك حتى تأتينا بكتاب من عند الله ومعه أربعة من الملائكة يشهدون عليه أنه من عند الله وأنك رسوله ﴿ولو نزلنا عليك كتاباً﴾ أي : مكتوباً ﴿في قرطاس﴾ أي : رق كما اقترحوه ﴿فلمسوه بأيديهم﴾ أبلغ من عاينوه لأنه أنفى للشك ﴿لقال الذين كفروا أن﴾ أي : ما ﴿هذا إلا سحر مبين﴾ أي : تعنتاً وعناداً كما قالوا في انشقاق القمر.
﴿وقالوا لولا﴾ أي : هلا ﴿أنزل عليه﴾ أي : محمد ﷺ ﴿ملك﴾ يكلمنا أنه نبي كقوله تعالى :﴿لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيراً﴾ (الفرقان، ٧) ﴿ولو أنزلنا ملكاً بحيث﴾ عاينوه كما اقترحوا فلم يؤمنوا ﴿لقضي الأمر﴾ أي : لحق إهلاكهم فإنّ سنة الله تعالى جرت فيمن قبلهم أنهم إذا جاءهم مقترحهم فلم يؤمنوا به يهلكهم ﴿ثم لا ينظرون﴾ أي : لا يمهلون لتوبة أو معذرة.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٤٧٣
﴿ولو جعلناه﴾ أي : المنزل إليهم ﴿ملكاً لجعلناه﴾ أي : الملك ﴿رجلاً﴾ أي : على صورته ليتمكنوا من رؤيته إذ لا قوّة للبشر على رؤية الملك في صورته وإنما رآه كذلك الأفراد من الأنبياء لقوّتهم القدسية وقوله تعالى :﴿وللبسنا عليهم ما يلبسون﴾ جواب محذوف أي : ولو أنزلناه وجعلناه رجلاً للبسنا أي : لخلطنا عليهم بجعلنا إياه رجلاً ما يخلطون على أنفسهم وعلى غيرهم فيقولون : ما هذا إلا بشر مثلكم وإنما كان تلبيساً لأنهم لبسوا على ضعفتهم في أمر النبيّ صلى الله عليه وسلم
٤٧٦
فقالوا : إنما هو بشر مثلكم ولو رأوا الملك رجلاً للحقهم من اللبس مثل ما لحق الضعفاء منهم فيكون اللبس نقمة من الله وعقوبة لهم على ما كان منهم من التخليط في السؤال واللبس على الضعفاء.
وقوله تعالى :
﴿ولقد استهزىء برسل من قبلك﴾ فيه تسلية للنبي ﷺ على ما يرى من قومه ﴿فحاق﴾ قال الربيع بن أنس : فنزل، وقال عطاء : فحل، وقال الضحاك : فأحاط ﴿بالذين سخروا منهم﴾ أي : من أولئك الرسل ﴿ما كانوا به يستهزؤن﴾ وهو العذاب فكذا يحيق بمن استهزأ بك.
﴿
جزء : ١ رقم الصفحة : ٤٧٦
قل﴾ لهم ﴿سيروا في الأرض﴾ أي : أوقعوا السير للاعتبار فيها ولا تغتروا بإمهالكم وتمكينكم ﴿ثم انظروا كيف كان عاقبة﴾ أي : آخر أمر ﴿المكذبين﴾ الرسل من هلاكهم بالعذاب فإنكم إذا شاهدتم تلك الآثار كمل لكم الاعتبار بهم.
﴿قل﴾ لهم ﴿لمن ما في السموات والأرض﴾ خلقاً وملكاً وهو سؤال تبكيت ﴿قل ﴾ إن لم يقولوه لا جواب غيره لأنه المتعين للجواب بالاتفاق إذ لا يمكنهم أن يذكروا غيره ﴿كتب﴾ أي : قضى ﴿على نفسه الرحمة﴾ تفضلاً منه وإحساناً، فالرحمة تعم الدارين ومن ذلك الهداية إلى معرفته والعلم بتوحيده بنصب الأدلة وإنزال الكتب والإمهال على الكفرة والعصاة والمذنبين ولو شاء لسلط عليهم المضار وجعل عيشهم من غير اللذيذ كالتراب وبعض القاذورات التي تعيش فيها الحيوانات.
روي أنه ﷺ قال :"لما قضى الله الخلق كتب كتاباً عنده فوق عرشه : إنّ رحمتي غلبت غضبي" وفي رواية "سبقت غضبي" وفي رواية "إنّ لله تعالى مئة رحمة واحدة بين الجنّ والإنس والبهائم والهوام فبها يتعاطفون وبها يتراحمون وبها تعطف الوحوش على أولادها وأخر تسعاً وتسعين رحمة يرحم بها عباده يوم القيامة".
وروي أنه ﷺ قدم عليه سبي فإذا امرأة من السبي قد غلب ثديها إذ وجدت صبياً في السبي أخذته وألصقته ببطنها وأرضعته فقال النبيّ ﷺ "أترون هذه المرأة طارحة ولدها في النار وهي تقدر على أن لا تطرحه" فقلنا : لا والله يا رسول الله فقال :"الله أرحم بعباده من هذه بولدها" وقوله تعالى :﴿ليجمعنكم﴾ استئناف واللام لام القسم أي : والله ليجمعنكم ﴿إلى يوم القيامة﴾ أي : في يوم القيامة وإلى بمعنى في أو ليجمعنكم في القبور مبعوثين إلى يوم القيامة فيجازيكم بأعمالكم، وقيل : بدل من الرحمة بدل البعض فإن من رحمته بعثه إياكم وإنعامه عليكم ﴿لا ريب﴾ أي : لا شك ﴿فيه﴾ أي : اليوم أو الجمع، وقوله تعالى :﴿الذين خسروا أنفسهم﴾ في موضع نصب على الذم أو رفع على الخبر أي : وأنتم الذين خسروا أنفسهم بتضييع رأس مالهم وهو الفطرة الأصلية أو مبتدأ خبره ﴿فهم لا يؤمنون﴾.