فإن قيل : الفاء تدل على أنّ عدم إيمانهم مسبب عن خسرانهم مع أنّ الأمر على العكس ؟
أجيب : بأنّ إبطال العقل باتباع الحواس والوهم والانهماك في التقليد وإغفال النظر أدّى بهم إلى الإصرار على الكفر والامتناع عن الإيمان وقوله تعالى :
﴿وله ما سكن﴾ أي : حل ﴿في الليل والنهار﴾ عطف على لله أي : له كل
٤٧٧
شيء من حيوان وغيره لأنه خالقه ومالكه وقيل له : ما سكن فيهما أو تحرّك واكتفى بأحد الضدّين عن الآخر ﴿وهو السميع﴾ أي : لكل ما يقال ﴿العليم﴾ أي : بكل ما يفعل فلا يخفى عليه شيء سبحانه وتعالى.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٤٧٦
ونزل لما دعي رسول الله ﷺ إلى دين آبائه :
﴿قل﴾ لهم ﴿أغير الله أتخذ ولياً﴾ أي : رباً ومعبوداً وناصراً ومعيناً وهو استفهام ومعناه الإنكار أي : لا أتخذ غير الله ولياً ﴿فاطر السموات والأرض﴾ أي : خالقهما ابتداعاً من غير سبق، وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : ما عرفت معنى الفاطر حتى أتاني أعرابيان يختصمان في بئر فقال أحدهما : إني فطرتها أي : ابتدأتها ﴿وهو يطعم﴾ أي : يرزق ﴿ولا يطعم﴾ أي : ولا يرزق، وصف سبحانه وتعالى ذاته بالغني عن الخلق باحتياجهم إليه لأنّ من كان من صفته أن يطعم الخلق لاحتياجهم إليه ولا يطعم لاستغنائه عنهم وجب أن يتخذ رباً وناصراً وولياً ﴿قل إني أمرت أن أكون أوّل من أسلم﴾ لله من هذه الأمّة لأنّ النبيّ سابق أمّته في الدين والدين وضع إلهي سائق لذوي العقول السليمة بسبب اختيارهم المحمود إلى ما هو خير لهم بالذات ﴿ولا تكونن من المشركين﴾ أي : وقيل لي : يا محمد لا تكونن من المشركين أي : في عدادهم باتباعهم في شيء من أغراضهم، وهذا التأكيد لقطع أطماعهم عنه ﷺ في سؤالهم أن يكون على دين آبائه وقوله تعالى :
﴿قل إني أخاف إن عصيت ربي﴾ بعبادة غيره ﴿عذاب يوم عظيم﴾ مبالغة أخرى في قطع أطماعهم وتعريض لهم بأنهم عصاة مستوجبون للعذاب وقوله تعالى :
﴿من يصرف عنه﴾ العذاب ﴿يومئذٍ﴾ أي : يوم القيامة، قرأه أبو بكر وحمزة والكسائيّ بفتح الياء وكسر الراء على البناء للفاعل والضمير لله تعالى والمفعول محذوف، وقرأه الباقون بضم الياء وفتح الراء على البناء للمفعول فالضمير للعذاب ﴿فقد رحمه﴾ ربه تعالى أي : أراد به الخير ﴿وذلك﴾ أي : الصرف أو الرحمة ﴿الفوز المبين﴾ أي : النجاة الظاهرة.
﴿وإن يمسسك الله بضر﴾ أي : ببلاء كمرض وفقر والضرّ اسم جامع لما ينال الإنسان من ألم ومكروه وغير ذلك مما هو في معناه ﴿فلا كاشف﴾ أي : لا رافع ﴿له إلا هو﴾ لا غيره ﴿وإن يمسسك بخير﴾ أي : بصحة وغنى والخير إسم جامع لكل ما ينال الإنسان من لذة وفرح وسرور وغير ذلك ﴿فهو على كل شيء قدير﴾ من الخير والضر وهذه الآية وإن كانت خطاباً للنبيّ ﷺ فهي عامة لكل أحد والمعنى وإن يمسسك الله بضرّ أيها الإنسان فلا كاشف لذلك الضر إلا هو وإن يمسسك بخير أيها الإنسان فهو على كل شيء قدير من رفع الضرر وإيصال الخير، عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال : أهدي للنبيّ ﷺ بغلة أهداها له كسرى فركبها بحبل من شعر ثم أردفني خلفه فسار بي ملياً ثم التفت إليّ فقال لي :"يا غلام" فقلت : لبيك يا رسول الله قال :"أعلمك كلمات احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده أمامك إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله واعلم أنّ الأمّة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك وإن اجتمعت على أن يضرّوك بشيء لم يضرّوك إلا بشيء قد كتبه الله عليك رفعت الأقلام وجفت الصحف". وفي رواية :"اعلم أنّ النصر مع الصبر والفرج مع الكرب وأنّ مع العسر يسراً"
٤٧٨
"ولن يغلب عسر يسرين". وفي رواية :"فقد مضى القلم بما هو كائن فلو جهد الخلق أن ينفعوك بما لم يقضه لك الله لم يقدروا عليه ولو جهدوا أن يضرّوك بما لم يكتب الله عليك ما قدروا عليه".
﴿
جزء : ١ رقم الصفحة : ٤٧٦
وهو القاهر﴾
أي : القادر الذي لا يعجزه شيء مستعلياً ﴿فوق عباده﴾ فهم مقهورون تحت قدرته وكل من قهر شيئاً فهو مستعل عليه بالقهر والغلبة ﴿وهو الحكيم﴾ في خلقه ﴿الخبير﴾ ببواطنهم كظواهرهم ونزل لما قالت قريش للنبيّ ﷺ يا محمد لقد سألنا عنك اليهود والنصارى فزعموا أن ليس لك عندهم ذكر ولا صفة فأرنا ما يشهد لك.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٤٧٦
﴿قل﴾ يا محمد لهؤلاء المشركين الذين يكذبونك ويجحدون نبوّتك من قومك ﴿أيّ شيء﴾ بيني وبينكم ﴿أكبر شهادة﴾ تمييز محوّل عن المبتدأ ﴿قل الله﴾ أكبر شهادة إن لم تقولوه لا جواب غيره ثم ابتدأ ﴿شهيد بيني وبينكم﴾ أي : هو شهيد بيني وبينكم ويحتمل أن يكون الله شهيداً هو
٤٧٩


الصفحة التالية
Icon