قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله} أي : بالبعث واستمرّ تكذيبهم ﴿حتى إذا جاءتهم الساعة﴾ أي : القيامة ﴿بغتة﴾ أي : فجأة وسميت القيامة ساعة لأنها تفجأ الناس بغتة في ساعة لا يعلمها إلا
٤٨٢
الله تبارك وتعالى، وقيل : لسرعة الحساب فيها لأنّ حساب الخلائق يوم القيامة يكون في ساعة واحدة وأقل من ذلك ﴿قالوا يا حسرتنا﴾ أي : يا ندامتنا والحسرة التلهف على الشيء الفائت وشدّة التألم ونداؤها مجاز أي : هذا أوانك فاحضري ﴿على ما فرّطنا﴾ أي : قصرنا ﴿فيها﴾ أي : الحياة الدنيا جيء بضميرها وإن لم يجر لها ذكر لكونها معلومة لأنها موضع التفريط في الأعمال الصالحة ويجوز أن يكون للساعة على معنى قصرنا في شأنها والإيمان بها كما تقول : فرّطت في فلان ومنه فرّطت في جنب الله وقوله تعالى :﴿وهم يحملون أوزارهم﴾ أي : أثقالهم وآثامهم ﴿على ظهورهم﴾ تمثيل لاستحقاقهم آصار الآثام، وقال السديّ وغيره : إنّ المؤمن إذا خرج من قبره استقبله أحسن شيء صورة وأطيبه ريحاً فيقول : هل تعرفني ؟
فيقول : لا، فيقول : أنا عملك الصالح فاركبني فقد طال ما ركبتك في الدنيا فذلك قوله تعالى :﴿يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفداً﴾ (مريم، ٨٥) أي : ركباناً، وأمّا الكافر فيستقبله أقبح شيء صورة وأنتنه ريحاً فيقول : هل تعرفني ؟
فيقول : لا، فيقول : أنا عملك الخبيث طال ما ركبتني في الدنيا واليوم أركبك فهو معنى قوله تعالى :﴿وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم﴾ ﴿ألا ساء﴾ أي : بئس ﴿ما يزرون﴾ أي : ما يحملون حملهم ذلك، وقوله تعالى :
﴿وما الحياة الدنيا إلا لعب ولهو﴾ جواب لقولهم :﴿إن هي إلا حياتنا الدنيا﴾ أي : وما أعمالها إلا لعب ولهو يلهى الناس ويشغلهم عما يعقب منفعة دائمة ولذة حقيقية وقيل : معناه أن أمر الدنيا والعمل فيها لعب ولهو فأمّا فعل الخير والعمل الصالح فهو من فعل الآخرة ﴿وللدار الآخرة﴾ أي : الجنة، واللام فيه لام القسم ﴿خير﴾ أي : من الدنيا وأفضل لأنّ الدنيا سريعة الزوال والانقطاع ﴿للذين يتقون﴾ أي : الشرك، وقيل : اللهو واللعب ﴿أفلا يعقلون﴾ أي : إنّ الآخرة خير من الدنيا فيعملوا لها، وقرأ ابن عامر : ولدار، بتخفيف الدال وجرّ التاء من الآخرة، والباقون : وللدار، بتشديد الدال ورفع التاء، وقرأ نافع وابن عامر وحفص : تعقلون، على الخطاب، والباقون بالياء على الغيبة.
﴿
جزء : ١ رقم الصفحة : ٤٨٢
قد﴾
للتحقيق ﴿نعلم أنه﴾ أي : الشأن ﴿ليحزنك الذي يقولون﴾ من التكذيب، وقرأ نافع بضم الياء وكسر الزاي والباقون بفتح
٤٨٣
الياء وضم الزاي ﴿فإنهم لا يكذبونك﴾ أي : بقلوبهم ولكن يجحدون بألسنتهم أو إنهم لا يكذبونك لأنك عندهم الصادق الموسوم بالصدق ﴿ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون﴾ أي : يكذبون، وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : كان رسول الله ﷺ يسمى الأمين فعرفوا أنه لا يكذب في شيء ولكنهم كانوا يجحدون، قال السدي : التقى الأخنس بن شريق وأبو جهل بن هشام فقال الأخنس لأبي جهل : يا أبا الحكم أخبرني عن محمد أصادق هو أم كاذب فإنه ليس ههنا أحد يسمع كلامك غيري ؟
فقال أبو جهل : والله إن محمداً لصادق ما كذب محمد قط ولكن إذا ذهب بنو قصيّ باللواء والسقاية والحجابة والندوة والنبوّة فماذا يكون لسائر قريش ؟
فأنزل الله تعالى هذه الآية، وعن عليّ بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه :"أن أبا جهل قال للنبيّ ﷺ إنا لا نكذبك ولكنا نكذب الذي جئت به فأنزلت" ووضع الظالمين موضع الضمير للدلالة على أنهم ظلموا في جحودهم والباء لتضمن الجحود معنى التكذيب، وقرأ نافع والكسائي : يكذبونك، بسكون الكاف وتخفيف الذال من أكذبه إذا وجده كاذباً أو نسبه للكذب، والباقون بفتح الكاف وتشديد الذال من التكذيب وهو أن ينسبه إلى الكذب وقوله تعالى :
﴿ولقد كذبت رسل من قبلك﴾ تسلية للنبيّ ﷺ وهذا دليل على أن قوله :﴿فإنهم لا يكذبونك﴾ ليس بنفي لتكذيبه مطلقاً وإنما هو من قولك لغلامك : ما أهانوك ولكنهم أهانوني ﴿فصبروا على ما كذبوا﴾ أي : على تكذيبهم لهم ﴿وأوذوا﴾ أي : وصبروا على إيذائهم لهم ﴿حتى أتاهم نصرنا﴾ بإهلاك من كذبهم فتأس بهم واصبر حتى يأتيك النصر بإهلاك من كذبك وفي ذلك إيماء بوعد النصر للصابرين ﴿ولا مبدل لكلمات الله﴾ أي : لمواعيده من قوله تعالى :﴿ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين﴾ (الصافات، ١٧١) الآيات ﴿ولقد جاءك من نبأ المرسلين﴾ أي : من قصصهم وما كابدوا من قومهم مما يسكن به قلبك قيل : من مزيدة، وقيل : للتبعيض ويدل له قوله تعالى :﴿منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك﴾ (غافر، ٧٨).


الصفحة التالية
Icon