وروي أنّ المسلمين قالوا : لئن كنا نقوم كلما استهزؤوا بالقرآن لم نستطع أن نجلس بالمسجد ونطوف فنزل :
جزء : ١ رقم الصفحة : ٤٩٢
﴿وما على الذين يتقون﴾ الله ﴿من حسابهم﴾ أي : الخائضين ﴿من شيء﴾ أي : شيء مما يحاسبون عليه إذا جالسوهم فمن مزيد للتأكيد ﴿ولكن﴾ عليهم ﴿ذكرى﴾ أي : تذكرة لهم ووعظ ويمنعوهم من الخوض وغيره من القبائح ويظهروا كراهتها وقال سعيد بن جبير ومقاتل : هذه الآية منسوخة بالآية التي في سورة النساء وهي قوله تعالى :﴿وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله﴾ (النساء، ١٤) الآية، وذهب الجمهور إلى أنها محكمة لا نسخ فيها لأنها خبر والخبر لا يدخله النسخ ولأنه إنما أباح لهم القعود معهم بشرط التذكرة والموعظة ﴿لعلهم يتقون﴾ الخوض في الآيات.
﴿وذر الذين اتخذوا دينهم﴾ أي : الذي كلفوه ﴿لعباً ولهواً﴾ باستهزائهم به ﴿وغرّتهم الحياة الدنيا﴾ أي : خدعتهم وغلب حبها على قلوبهم فأعرضوا عن دين الحق أي : فاتركهم ولا تبال بتكذيبهم واستهزائهم وهذا يقتضي الإعراض عنهم وهو قبل الأمر بالقتال ثم نسخ ذلك الإعراض بآية السيف ﴿وذكر﴾ أي : وعظ ﴿به﴾ أي : القرآن الناس ﴿أن﴾ أي : كراهة أن ﴿تبسل نفس﴾ أي : تسلم إلى الهلاك ﴿بما كسبت﴾ أي : بسبب ما عملت وأصل الإبسال والبسل المنع ومنه أسد باسل لأنّ فريسته لا تفلت منه والباسل الشجاع لامتناعه من قرنه وهذا بسل عليك أي : حرام ﴿ليس لها من دون الله﴾ أي : غيره ﴿وليّ﴾ أي : ناصر ﴿ولا شفيع﴾ يمنع عنها العذاب ﴿وإن تعدل﴾ أي : تلك النفس لأجل التوصل إلى الفكاك ﴿كل عدل﴾ أي : وإن تفدِ كل فداء والعدل الفدية لأنها
٤٩٥
تعادل المفدي ﴿لا يؤخذ منها﴾ ما تفدى به ﴿أولئك﴾ أي : الذين عملوا هذه الأعمال البعيدة عن الخير ﴿الذين أبسلوا﴾ أي : سلموا إلى العذاب ﴿بما كسبوا﴾ أي : بسبب أعمالهم القبيحة وعقائدهم الزائغة ﴿لهم شراب من حميم﴾ أي : ماء هو في غاية الحرارة ﴿و﴾ لهم ﴿عذاب أليم﴾ أي : مؤلم ﴿بما﴾ أي : بسبب ما ﴿كانوا يكفرون﴾ أي : هم بين ماء يغلي يتجرجر في بطونهم ونار تشعل في أبدانهم بسبب كفرهم.
﴿
جزء : ١ رقم الصفحة : ٤٩٥
قل﴾
يا محمد لهؤلاء المشركين الذين دعوك إلى دين آبائهم ﴿أندعو﴾ أي : نعبد ﴿من دون الله﴾ أي : غيره ﴿ما لا ينفعنا﴾ أي : بعبادته ﴿ولا يضرّنا﴾ أي : بتركها وهم الأصنام ﴿ونردّ على أعقابنا﴾ أي : نرجع إلى الشرك ﴿بعد إذ هدانا الله﴾ تعالى إلى التوحيد ودين الإسلام ﴿كالذي استهوته﴾ أي : أضلته ﴿الشياطين في الأرض﴾ حالة كونه ﴿حيران﴾ تائهاً ضالاً لا يهتدي لوجه ولا يدري كيف يسلك. وقرأ حمزة بعد الواو في استهوته بألف ممالة على التذكير، والباقون بالتاء على التأنيث، ورقق ورش راء حيران بخلاف عنه ﴿له﴾ أي : المستهوي ﴿أصحاب﴾ أي : رفقة ﴿يدعونه إلى الهدى﴾ أي : إلى الطريق المستقيم وسماه هدى تسمية للمفعول بالمصدر يقولون له :﴿إئتنا﴾ فلا يجيبهم فيهلك والاستفهام للإنكار وجملة التشبيه للحال من ضمير نردّ وهذا مثل ضربه الله تعالى لمن يدعو إلى عبادة الأصنام التي لا تضر ولا تنفع ومن يدعو إلى عبادة الله عز وجل الذي يضر وينفع يقول مثلهما كمثل رجل في رفقته ضل به الغيلان والشياطين عن الطريق المستقيم فجعل أصحابه من أهل رفقته يدعونه إليهم يقولون هلم إلى الطريق المستقيم وجعل الغيلان يدعونه إليهم فبقي حيران لا يدري أين يذهب فإن أجاب الغيلان ضل وهلك وإن أجاب أصحابه اهتدى وسلم ﴿قل﴾ لهم ﴿إنّ هدى الله﴾ الذي هو الإسلام ﴿هو الهدى﴾ وحده وما عداه ضلال ﴿وأمرنا لنسلم لرب العالمين﴾ أي : بأن نخلص العبادة له لأنه المستحق العبادة لا غيره وقوله تعالى :
﴿وأن أقيموا الصلاة واتقوه﴾ عطف على لنسلم أي : للإسلام ولإقامة الصلاة لأنّ فيهما ما يقرب إلى الله.
وروي أنّ عبد الرحمن بن أبي بكر دعا أباه إلى عبادة الأوثان فنزلت، فإن قيل : إذا كان هذا وارداً في شأن أبي بكر رضي الله تعالى عنه فكيف قيل للرسول ﷺ قل أندعو ؟
أجيب : بأن ذلك إظهار للاتحاد الذي كان بينه ﷺ وبين المؤمنين خصوصاً الصدّيق رضي الله تعالى عنه ﴿وهو الذي إليه﴾ لا إلى غيره بعد بعثكم من الموت ﴿تحشرون﴾ يوم القيامة فيجزيكم بأعمالكم.


الصفحة التالية
Icon