﴿وهو الذي خلق السموات والأرض﴾ على عظمهما ﴿بالحق﴾ أي : بسبب إقامة الحق، وقيل : خلقهما بكلامه الحق الذي هو قوله تعالى :﴿كن﴾ وهو دليل على أنّ كلام الله تعالى ليس بمخلوق لأنه لا يخلق مخلوق بمخلوق ﴿و﴾ اذكر ﴿يوم يقول﴾ الله للخلق ﴿كن فيكون﴾ أي : فهو يكون وهو يوم القيامة يقول بمخلق قوموا أحياء ﴿قوله﴾ تعالى :﴿الحق﴾ أي : الصدق الواقع لا محالة ﴿وله الملك يوم ينفخ في الصور﴾ أي : النفخة الثانية من إسرافيل عليه الصلاة والسلام وإنما أخبر سبحانه وتعالى عن ملكه يومئذٍ وإن كان الملك له سبحانه وتعالى في كل وقت في الدنيا والآخرة لأنه لا منازع له يومئذٍ فإنّ من كان يدعي الملك من الجبابرة والفراعنة وسائر الملوك الذين كانوا في الدنيا قد زال ملكهم فاعترفوا أنّ الملك لله الواحد القهار وأنه لا منازع له تعالى فيه وعلموا أنّ الذي كانوا يدعونه من الملك في الدنيا غرور وباطل.
٤٩٦
تنبيه : اختلف العلماء في الصور المذكور في الآية فقال قوم : هو قرن ينفخ فيه وهو لغة أهل اليمن، وقال مجاهد : الصور قرن كهيئة البوق ويدل على صحة هذا القول ما روي أنّ أعرابياً جاء إلى النبيّ ﷺ فقال : ما الصور ؟
قال :"قرن ينفخ فيه".
جزء : ١ رقم الصفحة : ٤٩٥
وروي أنه ﷺ قال :"كيف أنتم وقد التقم صاحب القرن القرن وحنى جبهته وأصغى سمعه ينتظر أن يؤمر فينفخ" فكان ذلك ثقل على الصحابة فقالوا : كيف نعمل يا رسول الله أو كيف نقول ؟
قال :"قولوا حسبنا الله ونعم الوكيل على الله توكلنا" وقال أبو عبيدة : الصور جمع صورة والنفخ فيها إحياؤها والأوّل أصح لما مرّ في الحديث ولإجماع أهل السنة أنّ المراد بالصور هو القرن الذي ينفخ فيه إسرافيل نفختين : نفخة الصعق ونفخة البعث للحساب ﴿عالم الغيب والشهادة﴾ أي : ما غاب وما شوهد فلا يغيب عن علمه تعالى شيء ﴿وهو الحكيم﴾ أي : في جميع أفعاله وتدبير خلقه ﴿الخبير﴾ بباطن الأشياء كظاهرها بكل ما يعملونه من خير أو شر.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٤٩٥
﴿وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر﴾ اختلف العلماء في لفظة آزر فقال مجاهد : آزر اسم أبي إبراهيم وهو تارح ضبطه بعضهم بالحاء المهملة وبعضهم بالخاء المعجمة، وقال البخاريّ في تاريخه الكبير : إبراهيم بن آزر وهو في التوراة تارخ فعلى هذا يكون لأبي إبراهيم اسمان : آزر وتارخ مثل يعقوب وإسرائيل إسمان لرجل واحد فيحتمل أن يكون اسمه آزر وتارخ لقب له وبالعكس، فالله سماه آزر وإن كان عند النسابين والمؤرّخين اسمه تارح ليعرف بذلك وكان آزر أبو إبراهيم من كوثى وهي قرية من سواد الكوفة وقال سعيد بن المسيب ومجاهد : آزر اسم صنم كان والد إبراهيم يعبده وإنما سماه بهذا الاسم لأنّ من عبد شيئاً أو أحبه جعل اسم ذلك المعبود أو المحبوب اسماً له فهو كقوله تعالى :﴿يوم ندعو كل أناس بإمامهم﴾ (الإسراء، ٧١) وقيل : معناه وإذا قال إبراهيم لأبيه : يا عابد آزر فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه والأوّل أصح لأن آزر اسم أبي إبراهيم لأنّ الله تعالى سماه به وأخرج البخاري في أفراده أنّ النبيّ ﷺ قال :"يلقى إبراهيم عليه الصلاة والسلام أباه آزر يوم القيامة على وجهه" أي : آزر فترة وغبرة الحديث سماه النبيّ ﷺ آزر أيضاً ولم يقل أباه تارح كما نقل عن النسابين والمؤرخين فثبت بهذا أنّ اسمه الأصلي آزر لا تارح وكان أهل تلك البلاد وهم الكنعانيون يعتقدون إلهية النجوم في السماء والأصنام في الأرض فيجعلون لكل نجم صنماً فإذا أرادوا التقرب إلى ذلك النجم عبدوا ذلك الصنم ليشفع لهم عند ذلك النجم فقال إبراهيم منكراً عليهم منبهاً لهم على ظهور فساد ما هو مرتكبه ﴿أتتخذ﴾ أي : أتكلف نفسك إلى خلاف ما تدعو إليه الفطرة الأولى بأن تجعل ﴿أصناماً آلهة﴾ أي : تعبدها وتخضع لها ولا نفع فيها ولا ضر ﴿إني أراك وقومك﴾ أي : في إتفاقكم على هذا ﴿في ضلال﴾ أي : بعد عن الصراط المستقيم ﴿مبين﴾ أي : ظاهر جداً ببديهة العقل مع مخالفته لكل نبيّ نباه الله تعالى من آدم عليه السلام فمن بعده، وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو
٤٩٧
بفتح الياء والباقون بالسكون.
﴿
جزء : ١ رقم الصفحة : ٤٩٧
وكذلك﴾
أي : ومثل هذا التبصير العظيم الشأن ﴿نري إبراهيم﴾ أي : نبصر وهي حكاية حال ماضية ﴿ملكوت السموات والأرض﴾ أي : عجائبهما وبدائعهما والملكوت أعظم الملك والتاء فيه للمبالغة كالرهبوت والرغبوت والرحموت من الرغبة والرهبة والرحمة، وقال ابن عباس : خلق السموات والأرض، وقال مجاهد وسعيد بن جبير : يعني آيات السموات والأرض وذلك إنه أقيم على صخرة وكشف له عن السموات حتى رأى العرش والكرسي وما في السموات من العجائب وحتى رأى مكانه في الجنة فذلك قوله تعالى :﴿وآتيناه أجره في الدنيا﴾ (العنكبوت، ٢٧)


الصفحة التالية
Icon