معناه : أريناه مكانه في الجنة وكشف له عن الأرض حتى نظر أسفل الأرضين ورأى ما فيها من العجائب.
وروي عن سلمان ورفعه بعضهم عن علي قال :"لما رأى إبراهيم ملكوت السموات والأرض أبصر رجلاً على فاحشة فدعا عليه فهلك ثم أبصر آخر فأراد أن يدعو عليه فقال الرب تبارك وتعالى : يا إبراهيم إنك رجل مجاب الدعوة فلا تدعو على عبادي فإنما أنا من عبدي على ثلاث خلال : إمّا أن يتوب إليّ فأتوب عليه وإمّا أن أخرج منه نسمة تعبدني وإمّا أن يبعث إليّ فإن شئت عفوت عنه وإن شئت عاقبته" وفي رواية :"فإن تولى فإنّ جهنم من ورائه".
وقال قتادة : ملكوت السموات الشمس والقمر والنجوم وملكوت الأرض الجبال والشجر والبحار. وقيل : إنّ هذه الرؤية كانت بعين البصيرة لأنّ ذلك لا يدرك إلا بالعقل فأريناه ذلك ليستدل به على توحيدنا ﴿وليكون من الموقنين﴾ : واليقين عبارة عن علم يحصل بسبب التأمّل بعد زوال الشبهة لأنّ الإنسان في أوّل الحال لا ينفك عن شبهة فإذا كثرت الدلائل وتوافقت صارت سبباً لحصول اليقين والطمأنينة في القلب وزالت الشبهة عند ذلك قال ابن عباس في وليكون من الموقنين﴿ : جلي له الأمر سرّه وعلانيته فلم يخف عليه شيء من أعمال الخلائق فلما جعل يلعن أصحاب الذنوب قال الله تعالى إنك لا تستطيع هذا فردّه الله تعالى كما كان قبل ذلك.
فلما جنّ عليه الليل﴾
أي : دخل فيه ﴿رأى كوكباً قال هذا ربي فلما أفل﴾ أي : غاب ﴿قال لا أحب الآفلين﴾ وذلك إنّ إبراهيم ﷺ ولد في زمن نمروذ بن كنعان وكان النمروذ أول من وضع التاج على رأسه ودعا الناس إلى عبادته وكان له كهان ومنجمون فقالوا له : إنه يولد في بلدك هذه السنة غلام يغير دين أهل الأرض ويكون هلاكك وزوال ملكك على يديه، ويقال : إنهم وجدوا ذلك في كتب الأنبياء، وقال السدي : إنّ النمروذ رأى في منامه كأنّ كوكباً طلع فذهب بضوأي الشمس والقمر حتى لم يبق لهما ضوء ففزع من ذلك فزعاً شديداً ودعا السحرة والكهنة فسألهم فقالوا : هو مولود يولد في ناحيتك في هذه السنة فيكون هلاكك وهلاك ملكك وأهل بيتك على يديه فأمر بذبح كل غلام يولد في ناحيته في تلك السنة وأمر بعزل الرجال عن النساء وجعل على كل عشرة رجلاً فإذا حاضت المرأة خلى بينها وبين زوجها لأنهم كانوا لا يجامعون في الحيض فإذا طهرت حيل بينهما فرجع آزر فوجد امرأته قد طهرت فواقعها فحملت بإبراهيم.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٤٩٧
قال محمد بن إسحاق : بعث نمروذ إلى كل امرأة حبلى بقربه يحسبها عنده إلا ما كان من أم إبراهيم فإنه لم يعلم بحبلها لأنها كانت صغيرة لم يعرف الحبل ببطنها، وقال السدي : خرج نمروذ
٤٩٨
بالرجال إلى العسكر ونحاهم عن النساء خوفاً من ذلك ثم بدت له حاجة إلى المدينة ولم يأمن عليها أحداً من قومه إلا آزر فبعث إليه وأقسم عليه أن لا يدنو من أهله فقال آزر : أنا أشح على ديني من ذلك فأوصاه بحاجته فدخل المدينة وقضى حاجته ثم قال : لو دخلت على أهلي فنظرت إليهم فلما نظر إلى أم إبراهيم لم يتمالك حتى واقعها فحملت إبراهيم، قال ابن عباس : لما حملت أم إبراهيم به قال الكهان لنمروذ : إن الغلام الذي أخبرناك عنه قد حملته أمّه الليلة فأمر نمروذ بذبح الغلمان.
قال محمد بن إسحاق : لما وجدت أم إبراهيم الطلق خرجت ليلاً إلى مغارة وكانت قريبة منها فولدت فيها إبراهيم عليه الصلاة والسلام وأصلحت من شأنه ما يصنع بالمولود ثم سدّت عليه المغارة ورجعت إلى بيتها وكانت تختلف إليه فتنظر ما فعل فتجده يمص من إصبع ماء ومن إصبع لبناً ومن إصبع عسلاً ومن إصبع تمراً ومن إصبع سمناً، وقال محمد بن إسحاق : كان آزر قد سأل أمّ إبراهيم عن حملها فقالت : ولدت غلاماً فمات فصدقها وكان اليوم على إبراهيم في الشباب كالشهر والشهر كالسنة فلم يمكث إبراهيم في المغارة إلا خمسة عشر شهراً حتى قال لأمّه : أخرجيني، فأخرجته عشاء فنظر وتفكر في خلق السموات والأرض وقال : إنّ الذي خلقني ورزقني وأطعمني وسقاني لربي ما لي إله غيره، ثم نظر في السماء فرأى كوكباً فقال : هذا ربي ثم أتبعه بصره ينظر إليه حتى غاب فلما أفل قال : لا أحب الآفلين.


الصفحة التالية
Icon