﴿وزكريا﴾ هو ابن أدن بن بركيا، وقرأ حفص وحمزة والكسائي بغير همز، والباقون بالهمز ﴿ويحيى﴾ هو ابن زكريا ﴿وعيسى﴾ هو ابن مريم بنت عمران ﴿وإلياس﴾ قال ابن مسعود : هو إدريس وله اسمان مثل يعقوب وإسرائيل قال البغويّ : والصحيح أنه غيره لأنّ الله تعالى ذكره في ولد نوح وإدريس جدّ أبي نوح وهو إلياس بن ياسين بن فنحاس بن العيزار بن هارون بن عمران ﴿كلّ﴾ منهم ﴿من الصالحين﴾ أي : الكاملين في الصلاح وهو الإتيان بما ينبغي والتحرّز عما لا ينبغي ﴿وإسمعيل﴾ هو ابن إبراهيم وإنما أخر ذكره إلى هنا لأنه ذكر إسحاق وذكر أولاده من بعده على نسق واحد فلهذا السبب أخر ذكر إسماعيل إلى هنا ﴿واليسع﴾ هو أخطوب بن العجوز، وقرأ حمزة والكسائي بتشديد اللام وسكون الياء والباقون بسكون اللام وفتح الياء ﴿ويونس﴾ هو ابن متى ﴿ولوطاً﴾ هو ابن هاران أخي إبراهيم ﴿وكلاً﴾ منهم ﴿فضلنا على العالمين﴾ أي : بالنبوّة وفيه دليل على فضلهم على من عداهم من الخلق من أنس وملك ويستدلّ بهذه الآية من يقول إنّ الأنبياء أفضل من الملائكة وقوله تعالى :
﴿ومن آبائهم وذرياتهم وإخوانهم﴾ عطف على كلاً أو نوحاً ومن للتبعيض أي : وفضلنا بعض آبائهم وبعض ذرّياتهم وإخوانهم لأنّ آباء بعضهم كانوا مشركين وعيسى ويحيى لم يكن لهما ولد وكان في ذرّية بعضهم من كان كافراً كابن نوح وقوله تعالى :﴿واجتبيناهم﴾ أي : اخترناهم، عطف على فضلنا أو هدينا ﴿وهديناهم﴾ أي : وأرشدناهم ﴿إلى صراط مستقيم﴾ هو الدين الحق.
﴿
جزء : ١ رقم الصفحة : ٥٠١
ذلك﴾
أي : الذي هدوا إليه ﴿هدى الله يهدي به من يشاء من عباده﴾ سواء كان له أب يعلمه أو كان له من يحمله على الضلال أم لا فهو سبحانه وتعالى هو المتفضل بالهداية ﴿ولو أشركوا﴾ أي : ولو فرض إشراك هؤلاء الأنبياء بعد علوّ درجتهم وفضلهم ﴿لحبط عنهم﴾ أي : لفسد وسقط
٥٠٢
﴿ما كانوا يعملون﴾ أي : لكانوا كغيرهم في حبوط أعمالهم بسقوط ثوابها.
﴿أولئك الذين آتيناهم الكتاب﴾ أي : أولئك الذين سميناهم من الأنبياء وهم ثمانية عشر نبياً أعطيناهم الكتاب فالمراد بالكتاب الجنس ﴿والحكم﴾ أي : العمل المتقن بالعلم ﴿والنبوّة﴾ أي : وشرّفناهم بالنبوّة والرسالة ﴿فإن يكفر بها﴾ أي : بهذه الثلاثة ﴿هؤلاء﴾ أي : أهل مكة الذين أنت بين أظهرهم ﴿فقد وكلنا بها﴾ أي : وفقنا للإيمان بها والقيام بحقوقها ﴿قوماً ليسوا بها بكافرين﴾ كما يوكل الرجل بالشيء ليقوم به ويتعهده ويحافظ عليه، واختلف في ذلك القوم فقال ابن عباس : هم الأنصار وأهل المدينة، وقال الحسن وقتادة : هم الأنبياء الثمانية عشر الذين تقدّم ذكرهم واختاره الزجاج، قال : والدليل عليه قوله تعالى :
﴿أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده﴾، وقال عطاء العطاردي : هم الملائكة ونظر فيه لأنّ اسم القوم لا يطلق إلا على بني آدم، وقيل : الفرس، وقيل : هم المهاجرون والأنصار، واستظهر وقال ابن زيد : كل من لم يكفر فهو منهم سواء أكان ملكاً أم نبياً أم صحابياً أم تابعياً، والمراد بهداهم ما توافقوا عليه من التوحيد وأصول الدين دون الفروع المختلف فيها فإنها ليست هدى مضافاً إلى الكل ولا يمكن التأسي بهم جميعاً فليس فيه دليل على أنه ﷺ متعبد بشرع من قبله، واستدلّ بعض العلماء بهذه الآية على أنه ﷺ أفضل الأنبياء عليهم الصلاة والسلام قال : وبيانه أنّ جميع الخصال وصفات الشرف كانت متفرّقة فيهم فكان نوح صاحب احتمال على أذى قومه وكان إبراهيم صاحب كرم وبذل مجاهدة في الله عز وجلّ وكان إسحاق ويعقوب من أصحاب الصبر على البلاء والمحن وكان داود وسليمان من أصحاب الشكر على النعمة كما قال تعالى :﴿اعملوا آل داود شكراً﴾ (سبأ، ١٣)
وكان أيوب صاحب صبر على البلاء كما قال تعالى :﴿إنا وجدناه صابراً نعم العبد إنّه أواب﴾ (ص، ٤٤)
وكان يوسف قد جمع بين الحالتين أي : الصبر والشكر وكان موسى صاحب الشريعة الظاهرة والمعجزات الباهرة وكان زكريا ويحيى وعيسى وإلياس من أصحاب الزهد في الدنيا وكان إسماعيل صاحب صدق وكان يونس صاحب تضرّع وإحسان ثم إن الله تعالى أمر نبيه محمداً ﷺ أن يقتدي بهم وجمع له جميع الخصال المحمودة والمتفرّقة فثبت بهذا البيان أنه ﷺ أفضل الأنبياء لما اجتمع فيه من الخصال التي كانت متفرّقة في جميعهم، اه.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٥٠١
وقرأ حمزة والكسائيّ بحذف الهاء في الوصل وحرّك الهاء بحركة مختلسة ابن عامر ومدّ على الهاء ابن ذكوان بخلاف عنه وسكن الهاء الباقون في الوصل وأما في الوقف فجميع القراء يثبتون الهاء ويسكنونها ﴿قل﴾ يا محمد لأهل مكة ﴿لا أسألكم عليه﴾ أي : القرآن أو التبليغ ﴿أجراً﴾ أي : لا أطلب على ذلك جعلاً ﴿إن هو﴾ أي : القرآن أو التبليغ ﴿إلا ذكرى﴾ أي : عظة ﴿للعالمين﴾ أي الإنس والجنّ.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٥٠١


الصفحة التالية
Icon