وقرأ أبو عمرو بسكون الراء، وروي عن الدوري اختلاس الضم وكسر الهمزة من إنها ابن كثير وأبو عمرو على الابتداء وقالا : تم الكلام عند قوله تعالى :﴿وما يشعركم﴾ والباقون بالفتح فهي بمعنى لعل وهو شائع في كلام العرب : ائت السوق أنك تشتري لنا شيئاً، بمعنى لعلك، ومنه قول عدي بن زيد :
*أعاذل ما يدريك أنّ منيتي ** إلى ساعة في اليوم أو في ضحى الغد*
أي : لعل منيتي. وقرأ ابن عامر وحمزة : لا تؤمنون، بالتاء خطاباً للكفار، والباقون بالياء على الغيبة.
﴿ونقلب أفئدتهم﴾ أي : ونحوّل قلوبهم عن الحق فلا يفقهونه ﴿و﴾ نقلب ﴿أبصارهم﴾ عن الحق فلا يبصرونه فلا يؤمنون لأنّ الله تعالى إذا صرف القلوب والأبصار عن الإيمان بقيت على الكفر ﴿كما لم يؤمنوا به﴾ أي : بما أنزل من الآيات ﴿أوّل مرّة﴾ أي : التي جاء بها رسول الله ﷺ مثل انشقاق القمر وغيره من المعجزات الباهرات. وقيل : معجزات موسى وغيره من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام كقوله تعالى :﴿أولم يكفروا بما أوتي موسى من قبل﴾ (القصص، ٤٨).
جزء : ١ رقم الصفحة : ٥١٠
وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنّ المرّة الأولى دار الدنيا أي : لوردوا من الآخرة إلى الدنيا نقلب أفئدتهم وأبصارهم عن الإيمان كما لم يؤمنوا في الدنيا قبل مماتهم كما قال تعالى :﴿ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه﴾ (الأنعام، ٢٨)
﴿ونذرهم﴾ أي : نتركهم ﴿في طغيانهم﴾ أي : ضلالهم ﴿يعمهون﴾ أي : يتردّدون متحيرين لا نهديهم هداية المتقين.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٥١٠
٥١٣
﴿ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى﴾ كما اقترحوا ﴿وحشرنا﴾ أي : جمعنا ﴿عليهم كل شيء قبلاً﴾ قرأ نافع وابن عامر بكسر القاف وفتح الباء أي : معاينة فشهدوا بصدقك، والباقون بضم القاف والباء جمع قبيل أي : فوجاً فوجاً ﴿ما كانوا ليؤمنوا﴾ لما سبق في علم الله، وقوله تعالى :﴿إلا أن يشاء الله﴾ استثناء منقطع أي : لكن إن شاء الله إيمانهم فيؤمنون أو استثناءً من أعمّ الأحوال أي : لا يؤمنون في حال إلا حال مشيئة الله تعالى إيمانهم ﴿ولكن أكثرهم يجهلون﴾ أي : إنهم لو أتوا بكل آية لم يؤمنوا فيقسمون بالله جهد أيمانهم على ما لا يشعرون ولذلك أسند الجهل إلى أكثرهم لأنّ بعضهم معاند مع أنّ مطلق الجهل يعمهم فيشمل المعاند أو لكنّ أكثر المسلمون يجهلون أنهم لا يؤمنون فيتمنون نزول الآية طمعاً في إيمانهم.
﴿وكذلك﴾ أي : ومثل ما جعلنا لك أعداء من كفار الإنس والجنّ ﴿جعلنا لكل نبيّ﴾ أي : ممن كان قبلك ﴿عدواً﴾ ويبدل منه ﴿شياطين﴾ أي : مردة ﴿الإنس والجنّ﴾ وفي هذا دليل على أنّ عداوة الكفرة للأنبياء عليهم الصلاة والسلام بفعل الله تعالى وخلقه ﴿يوحي﴾ أي : يوسوس ﴿بعضهم﴾ أي : الشياطين من النوعين ﴿إلى بعض زخرف القول﴾ أي : مموهه من الباطل ﴿غروراً﴾ أي : لأجل أن يغروهم بذلك ﴿ولو شاء ربك﴾ إيمانهم ﴿ما فعلوه﴾ أي : هذا الذي أنبأتك به من عداوتهم وما تفرع عليها وفي هذا دليل أيضاً ﴿فذرهم﴾ أي : اترك الكفرة على أيّ حالة اتفقت ﴿وما يفترون﴾ من الكفر وغيره مما زين لهم وهذا قبل الأمر بالقتال، وقوله تعالى :
﴿
جزء : ١ رقم الصفحة : ٥١٣
ولتصغى﴾
عطف على غروراً إن جعل علة أي : ولتميل ميلاً قوياً ﴿إليه﴾ أي : الزخرف الباطل ﴿أفئدة﴾ أي : قلوب ﴿الذين لا يؤمنون بالآخرة﴾ أي : ليس في طبعهم الإيمان بها لأنها غيب واهم لبلادتهم واقفون مع وهمهم ولذلك استولت عليهم الدنيا التي هي من أصل الغرور أو متعلق بمحذوف أي : وليكون ذلك جعلنا لكل نبيّ عدواً، والمعتزلة لما اضطروا فيه قالوا : اللام لام العاقبة وهو قول الزمخشريّ في كشافه إنّ اللام للصيرورة ﴿وليرضوه﴾ أي : الزخرف الباطل لأنفسهم ﴿وليقترفوا﴾ أي : يكتسبوا ﴿ما هم مقترفون﴾ من الآثام فيعاقبوا عليها
٥١٤
ونزل لما قال مشركوا قريش للنبيّ ﷺ اجعل بيننا وبينك حكماً من أحبار اليهود وإن شئت من أساقفة النصارى ليخبرنا عنك بما في كتابهم من أمرك.


الصفحة التالية
Icon