﴿أفغير الله﴾ أي : قل لهم يا محمد أفغير الله ﴿أبتغي﴾ أي : أطلب ﴿حكماً﴾ أي : قاضياً بيني وبينكم ﴿وهو الذي أنزل إليكم الكتاب﴾ أي : الأكمل المعجز وهو هذا القرآن الذي هو تبيان لكل شيء ﴿مفصلاً﴾ أي : مبيناً فيه الحق من الباطل ﴿والذين آتيناهم الكتاب﴾ أي : المعهود إنزاله من التوراة والإنجيل والزبور ﴿يعلمون أنه منزل من ربك بالحق﴾ لما عندهم به من البشارة في كتبهم ولما له من موافقتهم في ذكر الأحكام المحكمة والمواعظ الحسنة وكثرة ذكر الله على وجوه ترقق القلوب وتفيض الدموع وتصدع الصدور مع ما يزيد به على ما في كتبهم من التفصيل بما يفهم المعارف الإلهية والمقامات الصوفية في ضمن الأحكام السياسية وإنما وصف جميعهم بالعلم لأنّ أكثرهم يعلمون ومن لم يعلم فهو متمكن بأدنى تأمل. وقيل : المراد مؤمنوا أهل الكتاب كعبد الله بن سلام وأصحابه. وقرأ ابن عامر وحفص بفتح النون وتشديد الزاي، والباقون بسكون النون وتخفيف الزاي ﴿فلا تكونن﴾ يا محمد ﴿من الممترين﴾ أي : الشاكين في أنّ علماء أهل الكتاب يعلمون أنّ هذا القرآن حق وأنه منزل من عند الله، وقيل : فلا تكونن في شك مما قصصنا فيكون من باب التحريض فإنه ﷺ لم يشك قط، وقيل : الخطاب وإن كان في الظاهر للنبيّ ﷺ إلا أنّ المراد به غيره أي : فلا تكونن أيها الإنسان السامع لهذا القرآن في شك إنه منزل من عند الله لما فيه من الإعجاز الذي لا يقدر على مثله إلا الله تبارك وتعالى :
﴿وتمت كلمات ربك﴾ أي : بلغت الغاية أخباره وأحكامه ومواعيده، وقرأ عاصم وحمزة والكسائي بغير ألف بين الميم والتاء، والباقون بالألف ﴿صدقاً﴾ في الأخبار والمواعيد لا يقدر أحد أن يبدي في شيء منها خدشاً بتخلف مّا عن مطابقة الواقع ﴿وعدلاً﴾ أي : في الأقضية والأحكام ونصبهما على التمييز ويحتمل الحال والمفعول له ﴿لا مبدل لكلماته﴾ بنقض أو خلف بل كل ما أخبرت به فهو كائن لا محالة رضي من رضي وسخط من سخط، وقيل : المراد بالكلمات القرآن لا مبدل له لا يزيد فيه المغيرون ولا ينقصون ﴿وهو السميع﴾ لكل ما يقال ﴿العليم﴾ بكل ما يفعل.
﴿
جزء : ١ رقم الصفحة : ٥١٣
وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله﴾ أي : دينه وأكثر أهل الأرض كانوا على الضلالة، وقيل : الأرض مكة وذلك أنّ المشركين جادلوا النبيّ ﷺ والمؤمنين في أكل الميتة فقالوا للمسلمين : إنكم تزعمون أنكم تعبدون الله فكيف تأكلون ما قتلتم ولا تأكلون ما قتل ربكم ؟
فنزلت، وقيل : لا تطعهم في اعتقاداتهم الفاسدة فإنك إن تطعهم يضلوك عن سبيل الله أي : يضلوك عن طريق الحق ومنهج الصدق ثم علل ذلك بقوله :﴿إن﴾ أي : لأنهم ما ﴿يتبعون﴾ في مجادلتهم لك ﴿إلا الظنّ﴾ وهو ظنهم أن آباءهم كانوا على الحق ﴿وإن﴾ أي : ما ﴿هم إلا يخرصون﴾ أي : يكذبون على الله عز وجل فيما ينسبون إليه كاتخاذ الولد وجعل عبادة الأوثان وصلة إليه وتحليل الميتة وتحريم البحائر ونحو ذلك.
﴿إنّ ربك هو﴾ أي : لا غيره ﴿أعلم﴾ أي : عالم ﴿من يضل عن سبيله وهو﴾ أي : لا غيره ﴿أعلم﴾ أي : عالم ﴿بالمهتدين﴾ فيجازي كلاً منهم بما يستحقه.
وقوله تعالى :
﴿فكلوا مما ذكر اسم الله عليه﴾ مسبب عن إنكار اتباع المضلين الذين يحرّمون
٥١٥
الحلال ويحللون الحرام والمعنى : كلوا مما ذكر اسم الله تعالى على ذبحه ولا تأكلوا مما ذكر عليه اسم غيره تعالى أو مات حتف أنفه ﴿إن كنتم بآياته مؤمنين﴾ أي : إن كنتم محققين الإيمان فكلوا مما ذكر اسم الله عليه فإنّ الإيمان يقتضي استباحة ما أحله الله تعالى واجتناب ما حرمه.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٥١٣
﴿وما لكم﴾ أي : أيّ غرض لكم في ﴿أن لا تأكلوا مما ذكر اسم الله عليه﴾ من الذبائح ﴿وقد فصل﴾ أي : بين ﴿لكم ما حرّم عليكم﴾ أي : مما لم يحرم في آية حرمت عليكم الميتة تفصيلاً واضح البيان ظاهر البرهان، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر بضم الفاء وكسر الصاد والباقون بفتحهما، وقرأ نافع وحفص بفتح الحاء والراء والباقون بضم الحاء وكسر الراء ﴿إلا ما اضطررتم إليه﴾ أي : مما حرم عليكم فإنه أيضاً حلال حال الضرورة ﴿وإنّ كثيراً﴾ من الذين يجادلونكم في أكل الميتة ويحتجون عليكم في ذلك بقولهم : كيف تأكلون ما قتلتم ولا تأكلون ما قتل ربكم ﴿ليضلون بأهوائهم﴾ أي : بما تهوى أنفسهم من تحليل الميتة وغيرها، وقرأ عاصم وحمزة والكسائي بضم الياء والباقون بفتحها ﴿بغير علم﴾ يعتمدونه في ذلك، وقيل : المراد بذلك عمرو بن لحي فمن دونه من المشركين لأنه أوّل من بحر البحائر وسيب السوائب وأباح الميتة وغير دين إبراهيم ﷺ ﴿إن ربك هو أعلم بالمعتدين﴾ أي : الذين تجاوزوا الحق إلى الباطل والحرام إلى الحلال.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٥١٦