روي أنّ ثابت بن قيس صرم خمسمائة نخلة وقسمها في يوم واحد ولم يترك لأهله شيئاً فنزلت ﴿إنه لا يحب المسرفين﴾ أي : المتجاوزين ما حدّ لهم، وفي ذلك وعيد وزجر عن الإسراف في كل شيء، قال مجاهد : الإسراف ما قصرت به عن حق الله تعالى وقالوا : لو كان أبو قبيس ذهباً لرجل أنفقه في طاعة الله تعالى لم يكن مسرفاً، ولو أنفق درهماً واحداً أو مداً في معصية كان مسرفاً وقوله تعالى :
﴿
جزء : ١ رقم الصفحة : ٥٢٢
ومن الأنعام﴾ عطف على جنات أي : وأنشأ من الأنعام ﴿حمولة﴾ أي : صالحة للحمل عليها كالإبل الكبار والبغال ﴿وفرشاً﴾ أي : تصلح للحمل كالإبل الصغار والعجاجيل والغنم سميت فرشاً لأنها كالفرش للأرض لدنوها منها، وقيل : هو ما ينسج من وبره وصوفه وشعره للفرش ﴿كلوا مما رزقكم الله﴾ أي : مما أحله لكم من هذه الأنعام والحرث ﴿ولا تتبعوا خطوات الشيطان﴾ أي : طرائقه في التحليل والتحريم من عند أنفسكم كما فعل أهل الجاهلية، وقرأ قنبل وابن عامر وحفص والكسائي بضم الطاء والباقون بالسكون ﴿إنه﴾ أي : الشيطان ﴿لكم عدو مبين﴾ أي : بين العداوة.
وقوله تعالى :
جزء : ١ رقم الصفحة : ٥٢٢
﴿ثمانية أزواج﴾ أي : أصناف بدل من حمولة وفرشاً والزوج لغة الفرد إذا كان معه آخر من جنسه لا ينفك عنه فيطلق لفظ الزوج على الواحد كما يطلق على الاثنين فيقال للذكر : زوج، وللأنثى : زوج ﴿من الضأن﴾ زوجين ﴿اثنين﴾ أي : ذكر وأنثى والضأن ذوات الصوف من الغنم والذكر ضائن والأنثى ضائنة والجمع ضوائن ﴿ومن المعز﴾ زوجين ﴿اثنين﴾ أي : ذكر وأنثى، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر بفتح العين والباقون بالسكون والمعز والمعزى جمع لا واحد له من لفظه وهي ذوات الشعر من الغنم، وقال البغوي : جمع الماعز معيز وجمع الماعزة مواعز ﴿قل﴾ يا محمد لمن حرم ذكور الأنعام تارة وإناثها أخرى وأولادها كيفما كانت ذكوراً أو إناثاً أو مختلطة تارة ونسبوا ذلك لله تعالى ﴿الذكرين﴾ من الضأن والمعز ﴿حرم﴾ الله عليكم ﴿أم الأنثيين﴾ منهما ﴿أما﴾ أي : أم حرم ما ﴿اشتملت﴾ أي : انضمت ﴿عليه أرحام الأنثيين﴾ ذكراً كان أو أنثى ﴿نبئوني﴾ أي : أخبروني ﴿بعلم﴾ عن كيفية ذلك بأمر معلوم من جهة الله تعالى على تحريم ما حرمتم ﴿إن كنتم صادقين﴾ في دعواكم والاستفهام للإنكار والمعنى : من أين جاء التحريم فإن كان من قبل الذكورة فجميع الذكور حرام وإن كان من قبل الأنوثة فجميع الإناث حرام أو من قبل اشتمال الرحم فالزوجان حرام فمن أين التخصيص.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٥٢٤
تنبيه : اتفق القراء على أنّ في همزة الوصل وهي التي بين همزة الاستفهام ولام التعريف وجهين وهما البدل والتسهيل والبدل هو مدها مبدلة والتسهيل هو أن تقصرها مسهلة.
﴿ومن الإبل اثنين﴾ ذكراً أو أنثى ﴿ومن البقر اثنين﴾ كذلك ﴿قل﴾ يا محمد لهؤلاء الذين اختلفوا جهلاً وسفهاً ﴿آلذكرين حرم﴾ الله عليكم ﴿أم الأنثيين﴾ منهما ﴿أما﴾ أي : أم حرّم ما ﴿اشتملت﴾ أي : انضمت ﴿عليه أرحام﴾ الأنثيين ذكراً كان أو أنثى ﴿أم كنتم﴾ أي : بل أكنتم ﴿شهداء﴾ أي : حاضرين ﴿إذ وصاكم الله بهذا﴾ أي : حين وصاكم بهذا التحريم إذا أنتم لا تؤمنون بي فلا طريق لكم إلى معرفة أمثال ذلك إلا بالمشاهدة والسماع فكيف تثبتون هذه الأحكام
٥٢٤
وتنسبونها إلى الله تعالى.
ولما احتج عليهم بهذه الحجة وبيّن أنه لا سند لهم في ذلك قال تعالى :﴿فمن﴾ أي : لا أحد ﴿أظلم ممن افترى﴾ أي : تعمد ﴿على الله كذباً﴾ كعمرو بن لحي فإنه أوّل من بحر البحائر وسيب السوائب وغير دين إبراهيم عليه السلام ويدخل في هذا الوعيد كل من كان على طريقته أو ابتدأ شيئاً لم يأمر الله به ولا رسوله ونسب ذلك إلى الله تعالى لأن اللفظ عام فلا وجه للتخصيص فكل من أدخل في دين الله ما ليس منه فهو داخل في هذا الوعيد ﴿ليضل الناس بغير علم إن الله لا يهدي القوم الظالمين﴾ أي : لا يرشد ولا يوفق من كذب عليه وأضاف إليه ما لم يشرع لعباده.
ولما بين سبحانه وتعالى فساد طريقة أهل الجاهلية وما كانوا عليه من التحريم والتحليل من عند أنفسهم واتباع أهوائهم فيما أحلوه وحرموه من المطعومات أتبعه بالبيان الصحيح في ذلك وبين أن التحريم والتحليل لا يكون إلا بوحي سماوي وشرع نبوي فقال تعالى :
﴿قل﴾ يا محمد لهؤلاء الجهلة الذين يحللون ويحرمون من عند أنفسهم ﴿لا أجد في ما أوحي إليّ محرماً﴾ أي : طعاماً محرّماً مما حرمتموه.