فائدة : في ما أوحي إليّ في مقطوعة من ما في الرسم ﴿على طاعم﴾ أيّ طاعم كان من ذكر أو أنثى ﴿يطعمه﴾ أي : يتناوله أكلاً أو شرباً أو داء أو غير ذلك ﴿إلا أن يكون﴾ أي : ذلك الطعام ﴿ميتة﴾ وهي كل ما زالت حياته بغير ذكاة شرعية، وقرأ ابن كثير وابن عامر وحمزة تكون بالتأنيث والباقون بالتذكير ورفع ميتة ابن عامر على أنّ كان هي التامة، وعلى هذه القراءة يكون قوله تعالى :﴿أو دماً مسفوحاً﴾ عطفاً على أن مع ما في حيزه أي : إلا وجود ميتة أو دماً مسفوحاً أي : مصبوباً كالدم في العروق لا كالكبد والطحال ﴿أو لحم خنزير فإنه﴾ أي : الخنزير ﴿رجس﴾ أي : نجس فالضمير يعود على المضاف إليه لأنّ اللحم دخل في قوله ﴿ميتة﴾ وحينئذٍ ففي الآية دلالة على نجاسة الخنزير وهو حي فلحمه وكذا سائر أجزائه بطريق الأولى ثم إني رأيت البقاعي في تفسيره جرى على ذلك وقوله تعالى :﴿أو فسقاً أهل لغير الله به﴾ أي : ذبح على اسم غيره عطف على لحم خنزير وما بينهما اعتراض للتعليل.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٥٢٤
تنبيه : ظاهر الآية أنّ المحرمات محصورة في هذه الأربعة وأنه لا يحرم شيء من سائر المطعومات والحيوانات غيرها وهي الميتة والدم المسفوح ولحم الخنزير وما ذبح على اسم غير الله تعالى، ويروى ذلك عن ابن عباس وعائشة وسعيد بن جبير رضي الله تعالى عنهم لأنه ثبت أنه لا طريق إلى معرفة المحرّمات إلا بوحي وثبت أنّ الله تعالى نص في هذه الآية على هذه الأربعة أشياء وقال تعالى في (البقرة، ١٧٣)
﴿إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغير الله﴾ وإنما تفيد الحصر فصارت هذه الآية المدنية مطابقة للآية المكية في الحكم ولكن الذي ذهب إليه جمهور العلماء أنّ التحريم لا يختص بهذه فقط بل المحرّم ما كان بنص كتاب أو سنة، وقد وردت السنة بتحريم أشياء غير ذلك منها تحريم الحمر الأهلية وكل ذي ناب من السباع أو مخلب من الطيور وورد النهي عن أكل الهر وأكل ثمنه ويحرم أيضاً كل ما أمر بقتله كالحدأة والغراب الأبقع أو نهي عن قتله كالهدهد والخفاش وما لا نص فيه بتحريم أو تحليل أو بما يدل على أحدهما كالأمر بالقتل والنهي عنه إن استطابته عرب ذوو يسار وطباع سليمة حال رفاهية حل وإن استخبثوه فلا يحل فإن اختلفوا في استطابته اتبع الأكثر فإن استووا فقريش لأنهم قطب العرب وفيهم الفتوّة فإن اختلفت أو لم تحكم بشيء اعتبر الأشبه به من الحيوانات فإن استوى الشبهان أو لم يوجد ما يشبهه
٥٢٥
فحلال لهذه الآية وما جهل اسمه عمل بتسمية العرب له مما هو حلال أو حرام.
ولما حرّم الله تعالى هذه الأشياء أباح أكلها عند الاضطرار بقوله تعالى :﴿فمن اضطر﴾ أي : حصل له جوع خشي منه التلف ﴿غير باغ﴾ أي : على مضطر مثله ﴿ولا عاد﴾ أي : ولا متجاوز قدر الضرورة، وقرأ نافع وابن كثير وابن عامر والكسائي بضم النون في الوصل والباقون بالكسر ﴿فإنّ ربك غفور﴾ لا يؤاخذه بالأكل ﴿رحيم﴾ به حيث أباح له ذلك.
﴿وعلى الذين هادوا﴾ أي : اليهود واليهود علم على قوم موسى عليه الصلاة والسلام وسموا به اشتقاقاً من هادوا أي : مالوا إما عن عبادة العجل وإما عن دين موسى عليه السلام أو من هاد إذا رجع من خير إلى شر أو من شر إلى خير لكثرة انتقالهم عن مذاهبهم وقيل : لأنهم يتهوّدون أي : يتحرّكون عند قراءة التوراة وقيل : معرب من يهوذا بن يعقوب بالذال المعجمة ثم نسب إليه فقيل : يهودي ثم حذف الياء في الجمع فقيل : يهود ﴿حرّمنا﴾ أي : بسبب ظلمهم عليهم ﴿كل ذي ظفر﴾ أي : ما هو كالإصبع للآدمي من دابة أو طير وكان بعض ذوات الظفر حلالاً لهم فلما ظلموا حرّم عليهم فعم التحريم كل ذي ظفر بدليل قوله تعالى :﴿فبظلم من الذين هادوا حرّمنا عليهم طيبات أحلت لهم﴾ (النساء، ١٦٠)
﴿
جزء : ١ رقم الصفحة : ٥٢٤
ومن البقر والغنم﴾
أي : التي هي ذوات الأظلاف ﴿حرّمنا عليهم شحومهما﴾ أي : الصنفين والمراد شحم الجوف وهو الثروب قال الجوهري : هو شحم قد غشي الكرش والأمعاء رقيق ثم استثنى من الشحوم ما ذكره بقوله :﴿إلا ما حملت ظهورهما﴾ أي : إلا ما علق بالظهر والجنب من داخل بطونهما ﴿أو الحوايا﴾ أي : ما حملته الحوايا وهي الأمعاء التي هي متعاطفة ملوية جمع حوية فوزنها فعائل كسفينة وسفائن، وقيل : جمع حاوية أو حاوياء كقاصعاء فهو فواعل ﴿أو ما اختلط﴾ أي : من الشحوم ﴿بعظم﴾ مثل شحم الإلية فإن ذلك لا يحرم عليهم.


الصفحة التالية
Icon