وقيل : الأشدّ من الثماني عشر إلى ثلاثين سنة، وقيل : إلى أربعين، وقيل : إلى ستين ﴿وأوفوا﴾ أي : أتموا ﴿الكيل والميزان بالقسط﴾ أي : العدل من غير تفريط ولا إفراط ﴿لا نكلف نفساً إلا وسعها﴾ أي : طاقتها في إيفاء الكيل والميزان لم يكلف المعطي أكثر مما وجب عليه ولا يكلف صاحب الحق الرضا بأقل من حقه حتى لا تضيق نفسه عليه بل أمر كل واحد منهما بما يسعه مما لا حرج عليه فيه، وذكره عقب الأمر معناه : أنّ إيفاء الحق عسر فعليكم بما في وسعكم وما وراء الوسع معفوّ عنه ﴿وإذا قلتم﴾ أي : في حكم، أو شهادة، أو غير ذلك ﴿فاعدلوا﴾ فيه بالصدق ﴿ولو كان﴾ المقول له أو عليه ﴿ذا قربى﴾ أي : من ذوي قرابتكم ﴿وبعهد الله أوفوا﴾ أي : ما عهد إليكم من ملازمة العدل وتأدية أحكام الشرع ﴿ذلكم﴾ أي : الذي ذكر في هذه الآيات ﴿وصاكم﴾ بالعمل ﴿به لعلكم تذكرون﴾ أي : تتعظون فتأخذون بما أمرتكم به، وقرأ حفص وحمزة والكسائي بتخفيف الذال والباقون بالتشديد.
﴿
جزء : ١ رقم الصفحة : ٥٢٩
وإنّ هذا﴾ الذي وصيتكم به ﴿صراطي مستقيماً﴾ والإشارة فيه إلى ما ذكر في السورة فإنها بأسرها في إثبات التوحيد والنبوّة وبيان الشريعة، وقرأ ابن عامر بتخفيف النون والباقون بالتشديد، وكسر الهمزة حمزة والكسائي على الاستئناف وفتحها الباقون على تقدير اللام، وفتح الياء من صراطي ابن عامر وسكنها الباقون، وتقدّم مذهب قنبل في الصراط بالسين ومذهب خلف في إشمام الصاد ﴿فاتبعوه﴾ أي : بغاية جهدكم لأنه الجامع للعباد على الحق الذي فيه كل خير ﴿ولا تتبعوا السبل﴾ أي : الطرق المخالفة لدين الإسلام ﴿فتفرّق﴾ فيه حذف إحدى التاءين أي : فتميل ﴿بكم﴾ أي : هذه الطرق المضلة ﴿عن سبيله﴾ أي : طريقه التي ارتضاها لعباده وبها أوصى ﴿ذلكم﴾ أي : الأمر العظيم من اتباعه ﴿وصاكم به لعلكم تتقون﴾ الضلال والتفرق عن الحق.
روي "أنه ﷺ خط خطاً" ثم قال :"هذا سبيل الله" ثم خط خطوطاً عن يمينه وعن شماله وقال :"هذه سبل على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه، وقرأ :﴿وأنّ هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه﴾".
٥٢٩
﴿ثم آتينا موسى الكتاب﴾ أي : التوراة.
فإن قيل : ثم للترتيب وإيتاء موسى الكتاب كان قبل مجيء القرآن أجيب : بأنّ ثم لترتيب الإخبار أي : ثم أخبركم أنا آتينا موسى الكتاب فدخل ثم لترتيب الخبر لا لتأخير النزول، وقوله تعالى :﴿تماماً﴾ حال أي : لم ينقص الكتاب عما يصلحهم شيئاً ﴿على﴾ الوجه ﴿الذي أحسن﴾ أي : أتى بالإحسان فأثبت الحسن وجمعه بما بين من الشرع وبما حمى طوائف أهل الأرض به من الإهلاك العام.
روي أنّ الله تعالى لم يهلك قوماً هلاكاً عامّاً بعد نزول التوراة، وقيل : تماماً على المحسنين من قوم موسى فيكون الذي بمعنى من أي : على من أحسن من قومه وكان فيهم محسن ومسيء، وقيل : الذي أحسن هو موسى عليه السلام أي : إتماماً للنعمة عليه لإحسانه بالعبادة أو الذي بمعنى ما أي : ما أحسن، وقوله تعالى :﴿وتفصيلاً﴾ عطف على تماماً أي : وبياناً ﴿لكل شيء﴾ أي : يحتاج إليه في الدين ﴿وهدى﴾ أي : فيه هدى من الضلالة ﴿ورحمة﴾ أي : إنزاله عليهم رحمة لهم ﴿لعلهم﴾ أي : بني إسرائيل ﴿بلقاء ربهم﴾ أي : بالبعث والجزاء ﴿يؤمنون﴾ أي : ليكون حالهم بعد إنزال الكتاب لما يرون من حسن شرائعه وفخامة كلامه وجلالة أمره حال من يرجو أن يجدد الإيمان في كل وقت بلقاء ربه وليذكروا ما أنعم به عليهم من إخراجهم من مصر من العبودية والرق.
﴿وهذا﴾ أي : القرآن ﴿كتاب﴾ أي : عظيم ﴿أنزلناه﴾ إليكم أي : بلسانكم حجة عليكم ﴿مبارك﴾ أي : كثير الخير والنفع والبركة ﴿فاتبعوه﴾ أي : اتبعوا ما فيه من الأوامر والنواهي والأحكام ﴿واتقوا﴾ الكفر ﴿لعلكم ترحمون﴾ أي : بواسطة اتباعه وهو العمل بما فيه، ثم بيّن تعالى المراد من إنزاله فقال :
﴿
جزء : ١ رقم الصفحة : ٥٢٩
أن﴾ أي : كراهة أن ﴿تقولوا إنما أنزل الكتاب﴾ أي : التوراة والإنجيل ﴿على طائفتين من قبلنا﴾ أي : اليهود والنصارى ﴿وإن كنا﴾ أي : وقد كنا وإن هي المخففة من الثقيلة ولذلك دخلت اللام الفارقة بينها وبين النافية في خبر كان أي : وإنه كنا ﴿عن دراستهم﴾ قراءتهم لكتابهم قراءة مردودة ﴿لغافلين﴾ أي : لا نعرف حقيقتها ولا ثبت عندنا حقيقتها ولا هي بلساننا.