﴿أو تقولوا﴾ أي : أيها العرب لم نكن عن دراستهم غافلين بل كنا عالمين بها ولكنه لا يجب اتباع الكتاب إلاعلى المكتوب إليه فلم نتبعه و﴿لو أنا﴾ أهلنا لما أهلوا له حتى ﴿أنزل علينا الكتاب﴾ أي : جنسه ﴿لكنا أهدى منهم﴾ أي : لما لنا من الاستعداد بوفور العقل وحدة الأذهان واستقامة الأفكار واعتدال الأمزجة والإذعان للحق ﴿فقد جاءكم بينة من ربكم﴾ أي : القرآن فيه بيان وحجة واضحة تعرفونها على لسان رجل منكم تعرفون أنه أولاكم بذلك ﴿وهدى﴾ من الضلالة لمن تدبره ﴿ورحمة﴾ أي : وهو رحمة ونعمة أنعم بها عليكم فتأمّلوا فيه واعملوا به ﴿فمن﴾ أي : لا أحد ﴿أظلم ممن كذب بآيات الله وصدف﴾ أي : أعرض ﴿عنها﴾ فضل وأضل ﴿سنجزي الذين يصدفون عن آياتنا﴾ ولا يتوبون ﴿سوء العذاب﴾ أي : شدّته ﴿بما كانوا يصدفون﴾ أي : بسبب إعراضهم.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٥٢٩
٥٣٠
﴿هل ينظرون﴾ أي : ما ينظر هؤلاء المكذبون ﴿إلا أن تأتيهم الملائكة﴾ أي : لقبض أرواحهم أو بالعذاب، وقرأ حمزة والكسائي بالياء على التذكير والباقون بالتاء على التأنيث ﴿أو يأتي ربك﴾ أي : أمره بالعذاب ﴿أو يأتي بعض آيات﴾ أي : علامات ﴿ربك﴾ الدالة على الساعة كطلوع الشمس من مغربها، وعن حذيفة والبراء بن عازب :"كنا نتذاكر الساعة إذ طلع علينا رسول الله ﷺ فقال : ما تتذاكرون ؟
قلنا : كنا نتذاكر الساعة، فقال :"إنها لا تقوم حتى تروا قبلها عشر آيات : الدخان ودابة الأرض وخسفاً بالمشرق وخسفاً بالمغرب وخسفاً بجزيرة العرب والدجال وطلوع الشمس من مغربها ويأجوج ومأجوج ونزول عيسى وناراً تخرج من عدن" ﴿يوم يأتي بعض آيات ربك﴾ وهو طلوع الشمس من مغربها كما في حديث الصحيحين ﴿لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل﴾ صفة نفساً ﴿أو﴾ نفساً لم تكن ﴿كسبت في إيمانها خيراً﴾ أي : طاعة لا ينفعها توبتها قال ﷺ "يدا الله مبسوطتان لمسيء الليل ليتوب بالنهار ولمسيء النهار ليتوب بالليل حتى تطلع الشمس من مغربها" وقال ﷺ "من تاب قبل أن تطلع الشمس من مغربها تاب الله عليه" وقال ﷺ "إنّ الله جعل بالمغرب باباً مسيرة عرضه سبعون عاماً للتوبة لا يغلق ما لم تطلع الشمس من قبله" وقال ﷺ "ثلاث إذا أخرجن فلا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل الدجال والدابة وطلوع الشمس من مغربها".
﴿
جزء : ١ رقم الصفحة : ٥٣٠
قل انتظروا﴾ بعض هذه الأشياء ﴿إنا منتظرون﴾ ذلك وحينئذٍ لنا الفوز عليكم ولكم الويل ﴿إنّ الذين فرّقوا دينهم﴾ أي : بددوه فآمنوا ببعض وكفروا ببعض وافترقوا فيه قال ﷺ "افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة كلها في الهاوية إلا واحدة وافترقت النصارى على ثنتين وسبعين فرقة كلها في الهاوية إلا واحدة وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلها في الهاوية إلا واحدة" رواه أبو داود والترمذي والحاكم وصححاه وفي بعض الروايات قالوا : من هم يا رسول الله ؟
قال :
٥٣١
"ما أنا عليه وأصحابي" وقرأ حمزة بتخفيف الراء وألف قبلها والباقون بتشديدها ولا ألف ﴿وكانوا شيعاً﴾ أي : فرقاً مختلفة وهم اليهود والنصارى في قول مجاهد وقتادة كأهل الكتاب فإنهم ابتدعوا في دينهم بدعاً أوصلتهم إلى تكفير بعضهم بعضاً فآمنوا ببعض الأنبياء وكفروا ببعض وكالمجوس الذين فرّقوا دينهم باعتقاد أن إلا له إثنان النور والظلمة وعبدوا الأصنام والنجوم وجعلوا لكل نجم قسماً يتوسل به في زعمهم إليه، وقيل : هم أهل البدع وأصحاب الأهواء من هذه الأمّة.
روي أنه ﷺ قال لعائشة :"يا عائشة إنّ الذين فرّقوا دينهم وكانوا شيعاً هم أهل البدع وأصحاب الأهواء من هذه الأمّة" وعن العرباض بن سارية قال :"صلى بنا رسول الله ﷺ الصبح فوعظنا موعظة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب فقال قائل : يا رسول الله كأنها موعظة مودّع فأوصنا قال :"أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن كان عبداً حبشياً فإنّ من يعيش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإنّ كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة". وروي :"إنّ أحسن الحديث كتاب الله وأحسن الهدي هدي محمد ﷺ وشر الأمور محدثاتها" ﴿لست منهم في شيء﴾ أي : من السؤال عنهم فلا تتعرّض لهم ﴿إنما أمرهم إلى الله﴾ يتولى جزاءهم ﴿ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون﴾ فيجازيهم به وهذا منسوخ بآية السيف.