تنبيه : تفعلوا مجزوم بلم لا بإن لأن لم واجبة الإعمال مختصة بالمضارع متصلة بالمعمول، ولأنها لما صيرته ماضياً صارت كالجزء منه، وحرف الشرط كالداخل على المجموع وكأنه قال : فإن تركتم الفعل ولذلك ساغ اجتماعهما وحاصله أن إن تقتضي الاستقبال ولم تقتضي المضيّ فرجحت لم لما ذكر فيكون المعنى على المضيّ دون الاستقبال وقيل : إنّ إن بمعنى إذ ولا إشكال حينئذٍ، وقيل : كل منهما على حقيقته، والمعنى إن تبيّن في المستقبل عدم فعلكم في الماضي ولن تفعلوا في المستقبل فاتقوا النار، ولن كلا في نفي المستقبل غير أنه أبلغ وهو حرف بسيط ثنائي الوضع، وقيل : أصله لا إن حذفت الهمزة منها لكثرتها في الكلام ثم ألف لا لالتقاء الساكنين. ولما كانت الآية مدنية نزلت بعدما نزل بمكة قوله تعالى في سورة التحريم :﴿ناراً وقودها الناس والحجارة﴾ (التحريم، ٦) وسمعوه صح تعريف النار ووقوع الجملة صلة فإن الصلة يجب أن تكون معلومة وهي معلومة هنا من سورة التحريم حيث وقعت صفة.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٤٤
فإن قيل : الصفة أيضاً يجب أن تكون معلومة الانتساب إلى الموصوف كالصلة وإلا لكانت خبراً ولهذا قالوا : إن الصفات قبل العلم بها أخبار كما أنّ الأخبار بعد العلم بها أوصاف فيأتي في الصفة في آية التحريم ما ذكر في الصلة أجيب : بأنّ الصلة والصفة يجب كونهما معلومين للمخاطب لا لكل سامع وما في التحريم خطاب للمؤمنين وقد علموا ذلك لسماعهم من النبيّ ﷺ ولما سمع الكفار ذلك الخطاب أدركوا منه ناراً موصوفة بتلك الجملة فجعلت فيما خوطبوا به ﴿أعدّت﴾ أي : هيئت ﴿للكافرين﴾ وجعلت عدّة لعذابهم، وفي ذلك دليل على أنّ النار مخلوقة معدّة لهم الآن، والجملة استئناف أو حال من النار بإضمار قد، والعامل في الحال اتقوا وهي حال لازمة فلا يشكل بأنّ النار أعدّت للكافرين اتقوها أم لا.
تنبيه : قال البيضاوي : في الآيتين أي : آية ﴿إن كنتم في ريب﴾ وآية ﴿فإن لم تفعلوا﴾ (البقرة، ٢٤) ما يدل على النبوّة من وجوه : الأوّل : ما فيهما أي : في مجموعهما من التحدي والتحريض على الجدّ وبذل الوسع في المعارضة بالتقريع والتهديد وتعليق الوعيد على عدم الإيتان بما يعارض أقصر سورة من سور القرآن العزيز ثم أنهم مع كثرتهم واشتهارهم بالفصاحة وتهالكهم على المضادّة لم
٤٥
يتصدّوا لمعارضته والتجؤوا إلى جلاء الوطن وبذل المهج لأنّ قوله من التحدي راجع للآية الأولى والباقي راجع إلى الثانية، والثاني : تضمنهما أي : مجموعهما الإخبار عن الغيب على ما هو به فإنهم لو عارضوه بشيء لامتنع خفاؤه عادة سيما والطاعنون فيه أكثر من الذابين عنه في كل عصر لأنّ ذلك راجع للآية الثانية، والثالث : أنه عليه الصلاة والسلام لو شك في أمره ـ أي : نفسه ـ لما دعاهم إلى المعارضة بهذه المبالغة مخافة أن يعارض فتذهب حجته، وهذا راجع إلى الآية الأولى. ثم عطف سبحانه وتعالى حال من آمن بالقرآن ووصف ثوابه على حال من كفر به وكيفية عقابه على عادة ما جرت به العادة الإلهية من أن يشفع الترغيب بالترهيب تنشيطاً لاكتساب ما ينجي وتثبيطاً عن اقتراف ما يردي بقوله تعالى :﴿وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات﴾ أي : الطاعات ﴿أن لهم جنات﴾ أي : حدائق ذات شجر ومساكن، وإنما أمر الله سبحانه وتعالى الرسول ﷺ أو عالم كل عصر، أو كل أحد يقدر على البشارة أن يبشر الذين آمنوا ولم يخاطبهم بالبشارة كما خاطب الكفرة تفخيماً لشأنهم وإيذاناً بأنهم أحقاء بأن يبشروا ويهنؤوا بما أعد لهم، والبشارة : الخبر الصدق السار أوّلاً فإنه يظهر أثر السرور في البشرة لأن النفس إذا سرت انتشر الدم انتشار الماء في الشجرة ولذلك قال الفقهاء : البشارة هو الخبر الأوّل حتى لو قال الرجل لعبيده : من يبشرني بقدوم ولدي فهو حرّ فأخبروه فرادى عتق أوّلهم ولو قال : من أخبرني عتقوا جميعاً.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٤٤
فإن قيل : ما الجواب عن قوله تعالى :﴿فبشرهم بعذاب أليم﴾ ؟
أجيب : بأنّ ذلك ورد على سبيل التهكم كقوله تعالى :﴿ذق إنك أنت العزيز الكريم﴾ (الدخان، ٤٩) وعطف سبحانه وتعالى العمل على الإيمان مرتباً للحكم عليهما إشعاراً بأنّ السبب في استحقاق هذه البشارة مجموع الأمرين والجمع بين الوصفين، فإنّ الإيمان الذي هو عبارة عن التيقن والتصديق أس، والعمل الصالح كالبناء عليه، ولا نفع تام بأس لا بناء عليه، ولذلك قلما ذكرا مفردين وفي عطف العمل على الإيمان دليل على أنّ الصالحات خارجة عن مسمى الإيمان إذ الأصل أنّ الشيء لا يعطف على نفسه ولا على ما هو داخل فيه، وجمع سبحانه وتعالى الجنة لأنّ الجنان على ما ذكره ابن عباس سبع : جنة الفردوس، وجنة عدن، وجنة النعيم، ودار الخلد، وجنة المأوى، ودار السلام، وعلييون، وفي كل واحدة من هذه السبع مراتب ودرجات متفاوتة على حسب تفاوت الأعمال والعمال.