الثابتون على الإيمان القائلون بالحق من أهل زمان موسى عليه السلام اتبع ذكر المرتابين الكافرين من بني إسرائيل بذكر أضدادهم كما هو عادة القرآن تنبيهاً على أن تعارض الخير والشرّ وتزاحم أهل الحق والباطل مستمر وقيل : هم الذين أسلموا من اليهود في زمن النبي ﷺ كعبد الله بن سلام وأصحابه ﴿واعترض﴾ بأنهم كانوا قليلين في العدد ولفظ الأمة يقتضي الكثرة، وأجيب : بأنهم لما كانوا مخلصين في الدين جاز إطلاق لفظ الأمة عليهم كما في قوله تعالى :﴿إنّ إبراهيم كان أمّة﴾ (النحل، ١٢)
وقيل : إنّ بني إسرائيل لما قتلوا أنبياءهم وكفروا وكانوا اثني عشر سبطاً تبرأ سبط منهم مما صنعوا واعتذروا وسألوا الله أن يفرّق بينهم وبين إخوانهم ففتح الله تعالى لهم نفقاً في الأرض فساروا فيه سنة ونصفاً حتى خرجوا من وراء الصين وهم هناك حنفاء مسلمون يستقبلون قبلتنا. وذكر عن النبي ﷺ أن جبريل ذهب به ليلة الإسراء نحوهم فكلمهم فقال لهم جبريل عليه السلام : هل تعرفون من تكلمون ؟
قالوا : لا، قال : هذا محمد النبي الأميّ فآمنوا به وقالوا : يا رسول الله إنّ موسى عليه السلام أوصانا أن من أدرك منكم أحمد فليقرأ مني عليه السلام فردّ محمد على موسى صلى الله عليهما وسلم السلام ثم أقرأهم عشر سور من القرآن أنزلت بمكة ولم تكن فريضة نزلت غير الصلاة والزكاة وأمرهم أن يقيموا مكانهم وكانوا يسبتون فأمرهم أن يجمعوا ويتركوا السبت ولا يتظالموا ولا يتحاسدوا ولا يصل إليهم منا أحد ولا إلينا منهم أحد قال بعض المحققين : هذا القول ضعيف وإن كان البغوي صححه لوجوه : الأوّل : كونه أقرأهم عشر سور وقد نزل عليه أكثر من ذلك وكان فرض الزكاة بالمدينة فكيف يأمرهم بها قبل فرضها، الثاني : كون جبريل ذهب إليهم به ليلة الإسراء لم يرد بذلك نقل صحيح ولا رواه أحد من أئمة الحديث، الثالث : أنّ أحداً منهم لا يصل إلينا ولا يصل إليهم منا أحد فمن الذي أوصل خبرهم إلينا فثبت بذلك بطلان هذا القول.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٥٩٩
فإن قيل : إنّ يأجوج ومأجوج قد وصل خبرهم إلينا ولم يصل خبرنا إليهم أجيب : بالمنع فمن أين يعرف أنه لم يصل خبرنا إليهم ثم قال : فالمختار في تفسير هذه الآية أنها إما أن تكون قد نزلت في قوم كانوا متمسكين بدين موسى قبل التبديل والتغيير ثم ماتوا وهم على ذلك وإما أن تكون قد نزلت فيمن أسلم من اليهود على عهد رسول الله ﷺ كعبد الله بن سلام وأصحابه.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٥٩٩
٦٠٤
﴿وقطعناهم﴾ أي : فرقنا بني إسرائيل وقوله تعالى :﴿اثنتي عشرة﴾ حال وتأنيثه حملاً على الأمة ﴿أسباطاً﴾ بدل منه ولذلك جمع قبائل والأسباط أولاد الولد وكانوا اثنتي عشرة قبيلة من اثني عشر ولداً من ولد يعقوب عليه السلام ﴿أمماً﴾ بدل بعد بدل أو نعت لأسباطاً أي : وقطعناهم أمماً لأنّ كل سبط كان أمة عظيمة وجماعة كثيفة العدد وكل واحدة كانت تؤم خلاف ما تؤمه الأخرى لا تكاد تأتلف ﴿وأوحينا إلى موسى إذ استسقاه قومه﴾ أي : حين استسقوه في التيه ﴿أن اضرب بعصاك الحجر فانبجست﴾ أي : انفجرت والمعنى واحد وهو الانفتاح بسعة وكثرة يقال : بجست الماء فانبجس أي : فجرته فانفجر قاله الجوهري، وعلى هذا التقرير فلا تباين بين الانبجاس المذكور هنا وبين الانفجار المذكور في سورة البقرة، وقال آخرون : الانبجاس خروج الماء بقلة والانفجار خروجه بكثرة وطريق الجمع أن الماء ابتدأ بالخروج قليلاً ثم صار كثيراً وهذا الفرق مروي عن عمرو بن العلاء.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٦٠٤