فإن قيل : هلا قيل : فضربه فانبجست ؟
أجيب : بأنه إنما حذف ذلك للإيماء على أن موسى لم يتوقف في الامتثال وإن ضربه لم يكن مؤثراً يتوقف عليه الفعل في ذاته ﴿منه﴾ أي : من الحجر ﴿اثنتا عشرة عيناً﴾ أي : بعدد الأسباط ﴿قد علم كل أناس﴾ أي : كل سبط منهم ﴿مشربهم﴾ أي : لا يدخل سبط على سبط في مشربهم ﴿وظللنا عليهم الغمام﴾ أي : في التيه ليقيهم من حر الشمس ﴿وأنزلنا عليهم المنّ﴾ الترنجبيل ﴿والسلوى﴾ أي : الطير السماني بتخفيف الميم والقصر جعل الله تعالى ذلك طعاماً لهم في التيه، وقيل : المنّ الخبز والسلوى الإدام، وقال ابن يحيى : السلوى طائر يشبه السماني وخاصيته أن أكل لحمه يلين القلوب القاسية يموت إذا سمع صوت الرعد كما أنّ الخطاف يقتله البرد فيلهمه الله تعالى أن يسكن جزائر البحر التي لا يكون فيها مطر ولا رعد إلى انقضاء أوان المطر والرعد فيخرج من الجزائر وينتشر في الأرض ﴿كلوا﴾ أي : وقلنا لهم كلوا ﴿من طيبات ما رزقناكم﴾ مما لم تعالجوه نوع معالجة وقوله تعالى :﴿وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون﴾ فيه حذف ترك ذكره للاستغناء عنه ودلالة الكلام عليه تقديره كلوا من طيبات ما رزقناكم فامتنعوا من ذلك وسئموه وقالوا : لن نصبر على طعام واحد وسألوه غير ذلك لأنّ المكلف إذا أمر بشيء فتركه وعدل عنه إلى غيره يكون عاصياً بفعل ذلك فلهذا قال تعالى :﴿وما ظلمونا﴾ أي : بفعل شيء مما قابلوا به الإحسان بالكفران ولكن كانوا أنفسهم يظلمون بمخالفتهم ما أمروا به وقد سبق تفسير هذه الآية في سورة البقرة.
﴿وإذ قيل لهم﴾ أي : واذكر يا محمد لقومك إذا قيل لبني إسرائيل ﴿اسكنوا هذه القرية﴾ أي : بيت المقدس ﴿وكلوا منها﴾ أي : من القرية ﴿حيث شئتم وقولوا﴾ أمرنا ﴿حطة وادخلوا الباب﴾ أي : باب القرية ﴿سجداً﴾ أي : سجوداً نحناء وقوله تعالى :﴿نفغر لكم﴾ قرأه نافع وابن عامر بضم التاء وفتح الفاء على التأنيث والباقون بنون مفتوحة وكسر الفاء وقوله تعالى :﴿خطاياكم﴾ قرأه نافع
٦٠٥
بكسر الطاء بعدها همزة مفتوحة ممدودة وبعد الهمزة تاء مضمومة على الجمع وابن عامر كذلك إلا أنه يقصر الهمزة على التوحيد وأبو عمرو بفتح الخاء والطاء وبعد الطاء ألف بعدها ياء وبعد الياء ألف على وزن قضاياكم والباقون بكسر الطاء بعدها همزة مفتوحة ممدودة بعدها تاء مكسورة ﴿سنزيد المحسنين﴾ أي : بالطاعة ثواباً.
﴿فبدّل الذين ظلموا منهم قولاً غير الذي قيل لهم﴾ فقالوا حبة في شعرة ودخلوا يزحفون على أستاههم أي : أدبارهم ﴿فأرسلنا عليهم رجزاً﴾ أي : عذاباً ﴿من السماء بما كانوا يظلمون﴾ أي : وهذه القصة أيضاً تقدّمت في سورة البقرة لكن ألفاظ هذه الآية تخالف الآية المذكورة في (البقرة، ٥٨)
جزء : ١ رقم الصفحة : ٦٠٤