مشرك إلا دخل في عينيه وفمه ومنخره، فانهزموا وردفهم المسلمون يقتلونهم ويأسرونهم، والمعنى إنّ الرمية التي رميتها بلغ أثرها إلى ما لا يبلغه أثر البشر لكونها كانت برمي الله حيث أثرت ذلك الأثر العظيم ؛ لأن كفاً من الحصباء لا يملأ عيون الجيش الكثير برمية البشر فأثبت الرمية لرسول الله ﷺ لأنّ صورتها وجدت منه ونفاها عنه ؛ لأنّ أثرها الذي لا تطيقه البشر فعل الله تعالى، فكان الله تعالى هو فاعل الرمية على الحقيقة، وكأنها لم توجد من الرسول ﷺ أصلاً.
القول الثاني : إنها نزلت يوم خيبر، روي أنه عليه الصلاة والسلام أخذ قوساً وهو على باب خيبر، فرمى سهماً، فأقبل السهم حتى قتل لبابة بن أبي الحقيق وهو على فرسه فنزلت.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٦٤٢
القول الثالث : إنها نزلت في يوم أحد في قتل أبيّ بن خلف، وذلك إنه أتى النبيّ ﷺ بعظم رميم وفتته وقال : يا محمد من يحيي هذه وهي رميم ؟
فقال ﷺ "يحييه الله، ثم يميتك، ثم يحييك ثم يدخلك النار" فأسر يوم بدر، فلما افتدي قال لرسول الله ﷺ إنّ عندي فرساً أعلفها كل يوم فرقاً من ذرة أقتلك عليه، فقال له رسول الله ﷺ "بل أنا أقتلك إن شاء الله تعالى" فلما كان يوم أحد أقبل أبيّ يركض على ذلك الفرس حتى دنا من رسول الله ﷺ فاعترض له رجال من المسلمين ليقتلوه، فقال رسول الله ﷺ "استأخروا" ورماه بحربة كسر ضلعاً من أضلاعه، فمات ببعض الطريق فنزلت، والأصح الأوّل وإلا أدخل في أثناء القصة كلاماً أجنبياً عنها، وذلك لا يليق، وقال الرازي : لا يبعد أن يدخل تحته سائر الوقائع ؛ لأنّ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي :﴿ولكن الله قتلهم﴾، ﴿ولكن الله رمى﴾ بكسر النون مخففة ورفع الهاء من اسم الله فيهما والباقون بفتح النون مشدّدة ونصب الهاء وقوله تعالى :﴿وليبلي المؤمنين منه بلاء حسناً﴾ معطوف على قوله تعالى :﴿ولكن الله رمى﴾ أي : ولينعم عليهم نعمة عظيمة بالنصر والغنيمة، ثم ختم الله تعالى هذه الآية بقوله تعالى :﴿إنّ الله سميع﴾ لأقوالكم ﴿عليم﴾ بأحوال قلوبكم وهذا جرى مجرى التحذير والترهيب ؛ لئلا يغترّ العبد بظواهر الأمور ويعلم أنّ الخالق تعالى يطلع على ما في الضمائر والقلوب، وقوله تعالى :
﴿ذلكم﴾ إشارة إلى البلاء الحسن، ومحله الرفع أي : الغرض ذلكم، وقوله تعالى :﴿وإنّ الله موهن كيد الكافرين﴾ معطوف على "ذلكم" أي : المقصود إبلاء المؤمنين وتوهين كيد الكافرين وإبطال حيلهم.
وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو بفتح الواو وتشديد الهاء وتنوين النون ونصب الدال، وقرأ حفص بسكون الواو وتخفيف الهاء وعدم تنوين النون وخفض الدال والباقون بسكون الواو وتخفيف الهاء مع تنوين النون ونصب الدال وقوله تعالى :
﴿إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح﴾ أكثر المفسرين على أنه خطاب للكفار.
روي أنّ أبا جهل لعنه الله قال يوم بدر : اللهمّ أينا كان أقطع للرحم وأفجر فأهلكه الغداة، وقال السدي : إنّ المشركين لما أرادوا الخروج إلى بدر أخذوا بأستار الكعبة وقالوا : اللهمّ انصر أعلى الجندين وأهدى القبيلتين وأكرم الحزبين بأفضل الدين، فأنزل الله تعالى هذه الآية أي :"إن تستنصروا لأهدى القبلتين وتستقضوا، فقد جاءكم النصر والقضاء بهلاك من هو كذلك، وهو أبو جهل، ومن قتل معه دون النبيّ ﷺ والمؤمنين.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٦٤٢
وقيل : خطاب للمؤمنين وذلك إنه ﷺ لما رأى المشركين وكثرة عددهم وعددهم استغاث بالله
٦٤٤
تعالى وطلب ما وعده الله تعالى به من إحدى الطائفتين، وتضرع إلى الله تعالى، وكذلك الصحابة رضي الله تعالى عنهم، فقال تعالى :﴿إن تستفتحوا﴾ أي : إن تطلبوا النصر الذي تقدّم به الوعد فقد جاءكم الفتح أي : حصل ما وعدتم فاشكروا الله تعالى والزموا الطاعة.
قال القاضي عياض : وهذا القول أولى ؛ لأنّ قوله تعالى :﴿فقد جاءكم الفتح﴾ لا يليق إلا بالمؤمنين، اه.
وقال البيضاوي إنه خطاب لأهل مكة عن سبيل التهكم اه. ويدل له قوله تعالى :﴿وإن تنتهوا﴾ أي : عن الكفر ومعاداة رسول الله ﷺ ﴿فهو خير لكم﴾ أي : لتضمنه سلامة الدارين وخير المنزلتين ﴿وإن تعودوا﴾ أي : لقتال النبيّ ﷺ ﴿نعد﴾ أي : لنصرته عليكم ﴿ولن تغني﴾ أي : تدفع ﴿عنكم فئتكم﴾ أي : جماعتكم ﴿شيئاً﴾ ؛ لأنّ الله تعالى على الكافرين فيخذلهم ﴿ولو كثرت﴾ فئتكم ﴿وإنّ الله مع المؤمنين﴾ بالنصر والمعونة، وقرأ نافع وابن عامر وحفص بفتح الهمزة على ولأنّ الله تعالى والباقون بالكسر على الاستئناف.


الصفحة التالية
Icon