﴿يأيها الذين آمنوا أطيعوا الله ورسوله ولا تولوا﴾ أي : تعرضوا ﴿عنه﴾ أي : الرسول ﷺ بمخالفة أمره، فإنّ المراد من الآية الأمر بطاعته والنهي عن الإعراض عنه، وذكر طاعة الله للتوطئة والتنبيه على أنّ طاعة الله في طاعة الرسول لقوله تعالى :﴿من يطع الرسول فقد أطاع الله﴾ (النساء، ٨٠)
وقيل : الضمير للجهاد ﴿وأنتم تسمعون﴾ أي : القرآن والمواعظ سماع فهم وتصديق.
﴿ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا﴾ أي : بألسنتهم ﴿وهم لا يسمعون﴾ سمعاً ينتفعون به، وهذه صفة المنافقين.
﴿إنّ شر الدواب عند الله﴾ أي : إنّ شر من دب على وجه الأرض من خلق الله عنده ﴿الصم﴾ عن سماع الحق ﴿البكم﴾ عن النطق بالحق فلا يقولونه ﴿الذين لا يعقلون﴾ أمر الله، وسماهم دواب لقلة انتفاعهم بعقولهم كما قال تعالى :﴿أولئك كالأنعام بل هم أضل﴾ (الأعراف، ١٧٩)
قال ابن عباس : هم نفر من بني عبد الدار بن قصي كانوا يقولون : نحن صم بكم عما جاء به محمد، فقتلوا جميعاً بأحد وكانوا أصحاب اللواء، ولم يسلم منهم إلا رجلان مصعب بن عمير وسويبط بن حرملة.
﴿ولو علم الله فيهم خيراً﴾ أي : سعادة كتبت لهم أو انتفاعاً بالآيات ﴿لأسمعهم﴾ سماع تفهم ﴿ولو أسمعهم﴾ على سبيل الفرض، وقد علم أن لا خير فيهم ﴿لتولوا﴾ عنه ولم ينتفعوا به وارتدّوا عن التصديق والقبول ﴿وهم معرضون﴾ لعنادهم وجحودهم الحق بعد ظهوره، وقيل : إنهم كانوا يقولون لرسول الله ﷺ أحي لنا قصياً فإنه كان شيخاً مباركاً يشهد لك بالنبوّة، فنؤمن بك، فقال الله تعالى : ولو أسمعهم كلام قصي لتولوا وهم معرضون.
﴿
جزء : ١ رقم الصفحة : ٦٤٢
يأيها الذين آمنوا استجيبوا وللرسول﴾
أي : أجيبوهما بالطاعة، ووحد الضمير في قوله تعالى :﴿إذا دعاكم﴾ ؛ لأنّ دعوة الله تعالى تسمع من الرسول صلى الله عليه وسلم
روى الترمذي أنه ﷺ مرّ على أبيّ بن كعب وهو يصلي فدعاه، فعجل في صلاته ثم جاء، فقال له ﷺ "ما منعك عن إجابتي ؟
" قال : كنت أصلي، قال :"ألم تجد فيما أوحي إليّ ﴿استجيبوا وللرسول﴾ ؟
ويؤخذ من ذلك أنّ إجابته ﷺ بالقول : لا تقطع الصلاة، وهو كذلك، بل ولا
٦٤٥
بالفعل الكثير كما قاله بعض أصحابنا، وهو ظاهر الحديث أيضاً.
ولما كان اجتناء ثمرة الطاعة في غاية القرب منه نبه على ذلك باللام دون إلى فقال :﴿لما يحييكم﴾ من العلوم الدينية فإنها حياة القلوب والجهل موتها، قال أبو الطيب :
*لا تعجبنّ الجهول حليته ** فذاك ميت وثوبه كفن*
أو مما يورثكم الحياة الأبدية في النعيم الدائم من العقائد، وقال السدي : هو الإيمان ؛ لأن الكافر ميت فيحيا بالإيمان، وقال ابن إسحق : هو الجهاد أعزكم الله تعالى به بعد الذل، وقال العتبي : هو الشهادة لقوله تعالى :﴿بل أحياء عند ربهم يرزقون﴾ (آل عمران، ١٦٩)
﴿واعلموا أنّ الله يحول بين المرء وقلبه﴾ أي : إنه يميته فتفوته الفرصة التي هو واجدها وهي التمكن من إخلاص القلب ومعالجة أدوائه وعلله ورده سليماً كما يردّه الله تعالى، فاغتنموا هذه الفرصة وأخلصوا قلوبكم لطاعة الله ورسوله.
وقال الضحاك : يحول بين المرء المؤمن والمعصية وبين الكافر والطاعة، وقال السدي : يحول بين المرء وقلبه، فلا يستطيع أن يؤمن ولا أن يكفر إلا بإذنه، وقال مجاهد : يحول بين المرء وقلبه، فلا يعقل ولا يدري ما يعمل.
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال : كان رسول الله ﷺ يكثر أن يقول :"يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك" قالوا : يا رسول الله آمنا بك وبما جئت به فهل تخاف علينا ؟
قال :"القلوب بين إصبعين من أصابع الله يقلبها كيف يشاء" ﴿وإنه﴾ أي : واعلموا أنه تعالى :﴿إليه تحشرون﴾ لا إلى غيره فلا تتركوا مهملين معطلين فيجازيكم بأعمالكم وفي هذا تشديد في العمل وتحذير عن الكسل والغفلة.
﴿واتقوا فتنة﴾ أي : ذنباً، قيل : هو إقرار المنكر بين أظهرهم، وقيل : افتراق الكلمة، وقيل : فتنة عذاباً، وقوله تعالى :﴿لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة﴾ جواب الأمر، والمعنى إن إصابتكم لا تصب الظالمين منكم خاصة، ولكنها تعمكم، كما يحكى إنّ علماء بني إسرائيل لم ينهوا عن المنكر، فعمهم الله تعالى بالعذاب.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٦٤٢
فإن قيل : كيف جاز أن تدخل النون المؤكدة في جواب الأمر ؟
أجيب : بأنّ فيه معنى النهي كقولك : انزل عن الدابة لا تطرحك ولا تطرحنك، وكقوله تعالى :﴿يأيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان﴾ (النمل، ١٨)
﴿واعلموا أنّ الله شديد العقاب﴾ لمن خالفه.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٦٤٢
فإن قيل : كيف جاز أن تدخل النون المؤكدة في جواب الأمر ؟
أجيب : بأنّ فيه معنى النهي كقولك : انزل عن الدابة لا تطرحك ولا تطرحنك، وكقوله تعالى :﴿يأيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان﴾ (النمل، ١٨)


الصفحة التالية
Icon