روي عن أبي ذرّ :"أنّ رسول الله ﷺ سئل : أيّ الكلام أفضل ؟
قال : ما اصطفى الله ملائكته أو لعباده سبحان الله وبحمده" وقيل : ونحن نصلي بأمرك، قال ابن عباس : كل ما في القرآن من التسبيح فالمراد منه الصلاة ﴿ونقدّس لك﴾ ننزهك عما لا يليق بك، فاللام صلة والجملة حال مقرّرة لجهة الإشكال كقولك : أتحسن إلى أعدائك وأنا الصديق المحتاج، والمعنى : أتستخلف عصاة ونحن معصومون أحقاء بذلك، والمقصود منه الاستفسار عما رجحهم مع ما هو متوقع منهم على الملائكة المعصومين في الاستخلاف لا العجب والتفاخر، وقيل : نقدّس لك نطهر نفوسنا عن الذنوب لأجلك، كأنهم قابلوا الفساد المفسر بالشرك عند قوم بالتسبيح وسفك الدماء الذي هو أعظم الأفعال الذميمة بتطهر النفس عن الآثام ﴿قال﴾ تعالى :﴿إني أعلم ما لا تعلمون﴾ من المصلحة في استخلاف آدم وأنّ ذريته فيهم المطيع والعاصي فيظهر العدل بينهم، وقيل : إني أعلم أنّ فيكم من يعصيني وهو إبليس وجنوده، وقيل : إني أعلم أنهم مذنبون وأنا أغفر لهم. وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو بفتح الباء، والباقون بالسكون وهم على مراتبهم في المدّ.
﴿وعلم آدم الأسماء﴾ أي أسماء المسميات ﴿كلها﴾ حتى القصعة والمغرفة، وقيل : علمه اسم ما كان وما يكون إلى يوم القيامة، وقيل : صيغة كل شيء. قال أهل التأويل : إنّ الله عز وجل علم آدم جميع اللغات ثم كل واحد من أولاده بلغة فتفرّقوا في البلدان واختص كل فرقة منهم بلغة وذلك إمّا بخلق علم ضروري بها فيه أو ألقى في قلبه علمها أو بإرسال ملك أو بخطاب الله له أو بخلق الأصوات في الأجسام المسميات، والتعليم فعل يترتب عليه العلم غالباً، ولذلك يقال : علمته فلم يتعلم. وآدم اسم أعجمي كسائر الأنبياء إلا صالحاً وشعيباً ولوطاً ومحمداً بل قيل : إنّ آدم أيضاً عربي وعلى هذا فاشتقاقه من الأدمة بضم الهمزة وسكون الدال بمعنى السمرة، أو الأدمة بفتح الهمزة والدال بمعنى الأسوة أي : القدوة أو من أديم الأرض أي : ظاهر وجهها.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٥٢
روى الحاكم وصححه أنه ﷺ قال :"إنّ الله قبض قبضة من جميع الأرض سهلها وحزنها" ـ وهو بفتح الحاء المهملة ما غلظ من الأرض وصلب أي : وعجنت بالمياه المختلفة ـ فخلق منها آدم ونفخ فيه الروح فصار حيواناً حساساً بعد أن كان جماداً فلذلك يأتي بنوه مختلفين في الألوان والأخلاق والهيئات، وأمّا على الأوّل فلا اشتقاق له لأنّ ذلك إنما يأتي في الأسماء العربية والأعجمي لا اشتقاق له، وكنيته أبو محمد وأبو البشر والمعنى أنه تعالى خلقه من أجزاء مختلفة وقوى متباعدة مستعدّاً لإدراك أنواع المدركات والمعقولات والمحسوسات والمخيلات والموهومات وألهمه معرفة ذوات الأشياء وخواصها وأسمائها وأصول العلوم وقوانين الصناعات وكيفية آلاتها. وقرأ ورش في الهمزة من آدم بالمدّ والتوسط والقصر حيث جاء، وقوله تعالى :﴿ثم عرضهم على الملائكة﴾ الضمير فيه للمسميات المدلول عليها ضمناً في قوله تعالى :﴿وعلم آدم الأسماء﴾ إذ التقدير أسماء المسميات كما مرّ تقريره فحذف المضاف إليه لدلالة المضاف عليه
٥٥
وعوض عنه اللام في الأسماء كقوله تعالى :﴿واشتعل الرأس شيباً﴾ (مريم، ٤) لأنّ العرض للسؤال عن أسماء المعروضات فلا يكون المعروض نفس الأسماء إذ العرض لا يصح فيها لأنها من المسموعات والعرض يختص بالمحسوسات بالعين تقول : عرضت الجند عرض العين إذا مررتهم عليك ونظرت ما حالهم.
فإن قيل : لم قال عرضهم ولم يقل عرضها ؟
أجيب : بأنّ الأسماء إذا جمعت جمع من يعقل ومن لا يعقل يكنى عنها بلفظ من يعقل كما يكنى عن الذكور والإناث بلفظ الذكور، وقال مقاتل : خلق الله كل شيء الحيوان والجماد ثم عرض تلك الشخوص على الملائكة، والكناية راجعة إلى الشخوص فلذلك قال :﴿عرضهم على الملائكة﴾ ﴿فقال﴾ لهم سبحانه وتعالى تبكيتاً لهم وتنبيهاً على عجزهم عن أمر الخلافة ﴿أنبئوني﴾ أي : أخبروني ﴿بأسماء هؤلاء﴾ المسميات ﴿إن كنتم صادقين﴾ أني لا أخلق خلقاً إلا كنتم أفضل وأعلم منه وذلك أنّ الملائكة قالوا لما قال :﴿إني جاعل في الأرض خليفة﴾ : ليخلق ربنا ما يشاء فلن يخلق خلقاً أكرم عليه منا وإن كان فنحن أعلم منه لأنا خلقنا قبله ورأينا ما لم يره فأظهر الله تعالى فضله عليهم بالعلم، وجواب الشرط دل عليه ما قبله.