أحدها : قوله تعالى :﴿قل لمن في أيديكم﴾.
وثانيها : قوله تعالى :﴿من الأسرى﴾.
وثالثها : قوله تعالى :﴿إن يعلم الله في قلوبكم خيراً﴾.
ورابعها : قوله تعالى :﴿يؤتكم خيراً﴾.
وخامسها : قوله تعالى :﴿مما أخذ منكم﴾.
وسادسها : قوله تعالى :﴿ويغفر لكم﴾ فدلت هذه الألفاظ الستة على العموم فما الموجب للتخصيص أقصى ما في الباب أن يقال : سبب نزول هذه الآية هو العباس إلا أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
﴿وإن يريدوا﴾ أي : الأسارى ﴿خيانتك﴾ أي : بما أظهروا من القول ﴿فقد خانوا الله﴾ بالكفر ونقض ميثاقه المأخوذ بالعهد ﴿من قبل﴾ أي : قبل بدر ﴿فأمكن منهم﴾ ببدر قتلاً وأسراً فليتوقعوا مثل ذلك إن عادوا ﴿وا عليم﴾ بما في بواطنهم وضمائرهم من إيمان وتصديق وخيانة ﴿حكيم﴾ أي : بالغ الحكمة فهو يتقن كل ما يريده فهو يوهن كيدهم ويتقن ما يقابلهم به فيلحقهم لا محالة وكذا فعل تعالى في ابن عزة الجمحي، فإنه سأل النبيّ ﷺ في المنّ عليه بغير شيء لفقره وعياله وعاهده على أنه لا يظاهر عليه أحداً، ثم خان فظفر به في غزوة حمراء الأسد عقب يوم أحد أسيراً، فاعتذر له وسأله العفو عنه فقال :"لا، لا يلدغ المؤمن من جحر واحد مرّتين وأمر به فضربت عنقه.
﴿إنّ الذين آمنوا﴾ أي : بالله ورسوله ﴿وهاجروا﴾ أي : وأوقعوا الهجرة من بلاد الشرك وهم المهاجرون الأوّلون هجروا أوطانهم وعشائرهم وأحبابهم حباً لله تعالى ولرسوله ﷺ ﴿وجاهدوا﴾ أي : وأوقعوا الجهاد وهو بذل الجهد في توهين الكفر ﴿بأموالهم﴾ وكانوا في غاية العزة في أوّل الأمر ﴿وأنفسهم﴾ بإقدامهم على القتال مع شدّة الأعداء وكثرتهم وقدم المال ؛ لأنه سبب قيام النفس أي : بإنفاقهم لها في الجهاد وتضييع بعضها بالهجرة من الديار، والنخيل وغيرها، وأخر قوله تعالى :﴿في سبيل الله﴾ لذلك، وفي سببية أي : جاهدوا بسببه حتى لا يصدّ عنه صاد، ويسهل المرور فيه من غير قاطع ﴿والذين آووا﴾ أي : من هاجر إليهم من النبيّ ﷺ وأصحابه، فأسكنوهم
٦٦٨
في ديارهم وقسموا لهم من أموالهم وعرضوا عليهم أن ينزلوا لهم عن بعض نسائهم ليتزوّجوهنّ ﴿ونصروا﴾ أي : الله ورسوله والمؤمنين وهم الأنصار رضي الله عنهم، حازوا هذين الوصفين الشريفين فكانوا في الذروة من هذين الجنسين ولكن المهاجرين الأوّلون أعلى منهم لسبقهم في الإيمان الذي هو رئيس الفضائل ولحملهم الأذى من الكفار زماناً طويلاً وصبرهم على فرقة الأهل والأوطان.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٦٦٧
وأشار تعالى إلى القسمين بأداة البعد لعلوّ مقامهم فقال :﴿أولئك﴾ أي : العالو الرتبة ﴿بعضهم أولى ببعض﴾ أي : دون أقاربهم من الكفار قال ابن عباس في الميراث فكانوا يتوارثون بالهجرة فكان المهاجرون والأنصار يتوارثون دون ذوي الأرحام وكان من آمن ولم يهاجر لا يرث من قريبه المهاجر حتى كان فتح مكة انقطعت الهجرة وتوارثوا بالأرحام حيث كانوا وصار ذلك منسوخاً بقول تعالى﴿وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله﴾ ﴿والذين آمنوا ولم يهاجروا﴾ أي : آمنوا وأقاموا بمكة ﴿ما لكم من ولايتهم من شيء﴾ أي : فلا إرث بينكم وبينهم ولا نصيب لهم في الغنيمة ﴿حتى يهاجروا﴾ أي : إلى المدينة ﴿وإن استنصروكم في الدين﴾ أي : ولم يهاجروا ﴿فعليكم النصر﴾ أي : فيجب عليكم أن تنصروهم على المشركين ﴿إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق﴾ أي : عهد فلا تنصروهم عليهم وتنقضوا عهدهم ﴿وا بما تعملون بصير﴾ في ذلك ترغيب في العمل بما حث عليه من الإيمان والهجرة وغير ذلك مما تقدّم وترهيب من العمل بأضدادها، وفي البصير إشارة إلى العلم بما يكون من ذلك خالصاً أو مشوباً، ففيه مزيد حث على الإخلاص.
﴿والذين كفرا بعضهم أولياء بعض﴾ أي : في النصر ؛ لأن كفار قريش كانوا معادين اليهود فلما بعث رسول الله ﷺ تعاونوا عليه جميعاً وفي الميراث، فيرث بعضهم بعضاً ولا إرث بينكم وبينهم ﴿ألا تفعلوه﴾ أي : ما أمرتم به من التواصل بينكم وتولى بعضكم لبعض حتى في الميراث وقطع العلائق بينكم وبين الكفار ﴿تكن﴾ أي : تحصل ﴿فتنة﴾ أي : عظيمة ﴿في الأرض﴾ بضعف الإيمان وقوّة الكفر ﴿وفساد كبير﴾ في الدين، ولما تقدّمت أنواع المؤمنين المهاجر والناصر والقاعد وذكر أحكام موالاتهم أخذ يبين تفاوتهم في الفضل بقوله تعالى :


الصفحة التالية
Icon