فطفق يركض بغلته نحو الكفار لا يولي ثم قال للعباس :"وكان صيتاً صح يا عباس" فنادى :"يا عباد الله يا أصحاب الشجرة" وهم أصحاب بيعة الرضوان المذكورون في قوله تعالى :﴿لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة﴾ (الفتح، ١٨)
جزء : ١ رقم الصفحة : ٦٨٣
يا أصحاب سورة البقرة قال الطيبي وهم المذكورون في قوله تعالى :﴿آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون﴾ (البقرة، ٢٨٥)
وقيل : الذين أنزلت عليهم سورة البقرة فرجعوا جماعة واحدة يقولون : لبيك لبيك ونزلت الملائكة فالتقوا مع المشركين فقال عليه الصلاة والسلام :"هذا حين حمي الوطيس" أي : اشتدّ الحرب ثم أخذ رسول الله ﷺ كفاً من تراب فرماهم ثم قال :"انهزموا ورب الكعبة" فانهزموا.
وروي أنه ﷺ نزل عن البغلة، ثم أخذ قبضة من تراب الأرض، ثم استقبل بها وجوههم، ثم قال :"شاهت الوجوه". قالت سلمة بن الأكوع : فما خلق الله تعالى منهم إنساناً إلا ملأ عينيه تراباً بتلك القبضة، فولوا مدبرين فهزمهم الله تعالى. ﴿فلم تغن﴾ أي : الكثرة. ﴿عنكم شيأ وضاقت عليكم الأرض بما رحبت﴾ أي : برحبها أي : بسعتها لا تجدون فيها مقراً تطمئن إليه نفوسكم من شدّة الرعب، ولا تثبتون فيها كمن لا يسعه مكانه. ﴿ثم وليتم مدبرين﴾ أي : الكفار ظهوركم مدبرين أي : منهزمين، والإدبار الذهاب إلى خلف خلاف الإقبال.
﴿ثم أنزل الله سكينته﴾ أي : رحمته التي سكنوا إليها وأمنوا. ﴿على رسوله وعلى المؤمنين﴾ أي : على الذين انهزموا، فردّوا إلى النبيّ ﷺ لما ناداهم العباس بإذنه ﷺ وقيل : هم الذين ثبتوا مع رسول الله ﷺ حين وقع الحرب. ﴿وأنزل جنوداً﴾ أي : ملائكة ﴿لم تروها﴾ بأعينكم قال سعيد بن جبير : مد الله نبيه ﷺ بخمسة آلاف من الملائكة مسوّمين، وقيل : ثمانية آلاف، وقيل : ستة عشرة ألفاً.
وروي أنّ رجلاً من بني النضير قال : للمؤمنين بعد القتال : أين الخيل البلق، والرجال الذين عليهم ثياب بيض ما كنا نراكم فيهم إلا كهيئة الشامة، وما قتلنا إلا بأيديهم، فأخبروا بذلك النبيّ ﷺ فقال :"تلك الملائكة" ﴿وعذب الذين كفروا﴾ بالقتل والأسر وسبي العيال وسلب المال. ﴿وذلك جزاء الكافرين﴾ أي : ما فعل بهم جزاء كفرهم في الدنيا.
روي أنه ﷺ لما قسم ما أفاء الله عليه يوم حنين في الناس، وفي المؤلفة قلوبهم، لم يعط الأنصار شيئاً، فكأنهم وجدوا إذ لم يصبهم ما أصاب الناس، فخطبهم رسول الله ﷺ فقال :"يا معاشر الأنصار : ألم أجدكم ضلالاً، فهداكم الله بي، وكنتم متفرّقين فألفكم الله بي، وعالة فأغناكم الله بي" كلما قال شيئاً قالوا : الله ورسوله أنّ قال :"ما يمنعكم أن تجيبوا رسول الله، لو شئتم قلتم جئتنا كذا وكذا. أما ترضون أمن يذهب الناس بالشاة والبعير وتذهبون بالنبيّ إلى رحالكم، لولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار، لو سلك الناس وادياً وشعباً لسلكت وادي الأنصار وشعبهم، الأنصار شعار، والناس دثار، إنكم ستلقون بعدي أثرة، فاصبروا حتى تلقوني على الحوض" وعن رافع بن خديج أعطى رسول الله ﷺ أبا سفيان بن حرب، وصفوان بن أمية، وعيينة بن حصن والأقرع بن حابس، كل إنسان منهم مائة من الإبل، وأعطي عباس بن مرداس دون ذلك فقال
٦٨٥
العباس بن مرداس :
جزء : ١ رقم الصفحة : ٦٨٣
أتجعل نهبي ونهب العبيد بين عيينة والأقرع*
*فما كان حصن ولا حابس ** يفوقان مرداس في مجمع*
*وما كنت دون امرىء منهما ** ومن يخفض اليوم لا يرفع*
قال : فأتم رسول الله ﷺ له مائة.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٦٨٣
﴿ثم يتوب الله من بعد ذلك على من يشاء﴾ منهم بالتوفيق للإسلام ﴿وا غفور رحيم﴾ فيتجاوز عنهم، ويتفضل عليهم.
روي أنّ ناساً منهم جاؤوا فبايعوا رسول الله ﷺ على الإسلام وقالوا : يا رسول الله أنت خير الناس وأبرّ الناس وقد سبي أهلونا وأولادنا وأخذت أموالنا قيل : سبي يومئذٍ ستة آلاف نفس وأخذ من الإبل ما لا يحصى فقال : إنّ عندي ما ترون إنّ خير القول أصدقه اختاروا إما ذراريكم ونساءكم وإما أموالكم قالوا : ما كنا نعدل بالأحساب شيئاً، والحسب ما يعدّه الإنسان من مفاخر آبائه، كنوا بذلك عن اختيار الذراري والنساء على استرجاع الأموال لأنّ تركهم في ذلّ الأسر يفضي إلى الطعن في أحسابهم فقام رسول الله ﷺ فقال :"إنّ هؤلاء جاؤوا مسلمين وإنّا خيرناهم بين الذراري والأموال فلم يعدلوا بالأحساب شيئاً فمن كان بيده شيء وطابت نفسه أن يردّه فشأنه أي : فليلزم
٦٨٦