وروي عن أبي بكر رضي الله عنه أنه قال قال رسول الله ﷺ في خطبته لنا :"أيّ شهر هذا" قلنا الله ورسوله أعلم، فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه قال :"أليس ذا الحجة" قلنا : بلى قال :"أيّ بلد هذا" قلنا : الله ورسوله أعلم فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه قال :"أليس البلد الحرام" قلنا : بلى قال :"فأي يوم هذا" قلنا : الله ورسوله أعلم فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه قال :"أليس يوم النحر" قلنا : بلى قال :"فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا وستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم ألا فلا ترجعوا بعدي ضلالاً يضرب بعضكم رقاب بعض ألا ليبلغ الشاهد الغائب فلعلّ بعض من يبلغه أن يكون أوعى له من بعض من سمعه ألا هل بلغت ألا هل بلغت ألا هل بلغت" قلنا : نعم قال :"اللهم اشهد" واختلفوا في أوّل من نسأ النسيء فقال ابن عباس : بنو مالك بن كنانة وكان يليه أبو ثمامة وجنادة بن عوف بن أمية الكناني كان يقوم على جمل بالموسم فينادي إنّ آلهتكم قد أحلت لكم المحرّم فأحلوه ثم ينادي في قابل إنّ آلهتكم قد حرمت عليكم المحرّم فحرّموه وقال الكلبي : أوّل من فعل ذلك رجل من بني كنانة يقال له نعيم بن ثعلبة، وقيل : أول من فعل ذلك عمرو بن لحي وهو أوّل من سيب السوائب وقال فيه النبيّ ﷺ "رأيت عمرو بن لحيّ يجرّ قصبه في النار". وقوله تعالى :﴿زيادة في الكفر﴾ معناه أنه تعالى حكى عنهم أنواعاً كثيرة من الكفر فلما ضموا تحريم ما أحل الله تعالى وتحليل ما حرّم الله تعالى وهو كفر كان ضم هذا العمل إلى تلك الأنواع المتقدّمة من الكفر زيادة في الكفر لأنّ الكافر كلما أحدث معصية ازداد كفراً فزادتهم رجساً إلى رجسهم كما أنّ المؤمن كلما أحدث طاعة ازدادا إيماناً فزادتهم إيماناً وهم يستبشرون. وقرأ ورش النسيّ بقلب الهمزة ياء وإدغام الياء فيها فبقيت ياء مضمومة مشدّدة والباقون بهمزة مضمومة هذا في الوصل وأمّا الوقف فورش يقف بياء مشدّدة ساكنة وحمزة كذلك وله فيه الروم والاشمام والباقون بهمزة ساكنة ﴿يضل به﴾ أي : بهذا التأخير الذي هو النسيء ﴿الذين كفروا﴾ قرأ حفص وحمزة والكسائي بضم الياء وفتح الضاد لقوله تعالى :﴿زين لهم سوء أعمالهم﴾ والباقون بفتح الياء وكسر الضاد على معنى أنهم هم الضالون لقوله تعالى :﴿يحلونه﴾ أي : يحلون النسيء من الأشهر الحرم ﴿عاماً﴾ ويحرّمون مكانه شهراً آخر ﴿ويحرّمونه عاماً﴾ فيتركونه على حرمته وإنما فعلوا ذلك ﴿ليواطؤا﴾ أي : ليوافقوا ﴿عدّة﴾ أي : عدد ﴿ما حرّم الله﴾ من الأشهر فلا يزيدون على تحريم أربعة أشهر ولا ينقصون عنها ولا ينظرون إلى أعيانها ﴿فيحلوا ما حرّم الله﴾ بمواطأة العدة من غير
٦٩٩
مراعاة الوقت الذي يحلون إليه الأشهر الحرم ﴿زين لهم سوء أعمالهم﴾ قال ابن عباس : زين لهم الشيطان هذا العمل حتى حسبوا هذا القبيح حسناً ﴿وا لا يهدي القوم الكافرين﴾ أي : هداية موصلة إلى الاهتداء لما سبق لهم في الأزل أنهم من أهل النار، ولما رجع النبيّ ﷺ من الطائف إلى المدينة وحث على غزوة تبوك وكان ذلك الوقت زمان عسرة وشدّة حرّ وطابت ثمار المدينة ولم يكن رسول الله ﷺ يريد غزوة إلا ورى بغيرها حتى كانت تلك الغزوة غزاها رسول الله ﷺ في حرّ شديد واستقبل سفراً بعيداً ومفاوز جلاً للناس أمرهم ليتأهبوا أهبة غزوهم فشق عليهم الخروج وتثاقلوا فنزل :
﴿
جزء : ١ رقم الصفحة : ٦٩٨
يا أيها الذين آمنوا مالكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم﴾ بإدغام التاء في الأصل في المثلثة واجتلاب همزة الوصل إذ أصله تثاقلتم ومعناه تباطأتم وملتم عن الجهاد ﴿إلى الأرض﴾ والقعود فيها والاستفهام للتوبيخ، قال المحققون وإنما تثاقل الناس من وجوه : الأوّل : شدّة الزمان في الصيف والقحط، والثاني : بعد المسافة والحاجة إلى الاستعداد الكثير الزائد على ما جرت به عادتهم في سائر الغزوات، والثالث : إدراك الثمار بالمدينة في ذلك الوقت، والرابع شدّة الحرّ في ذلك الوقت ثم قال لهم الله تعالى :﴿أرضيتم بالحياة الدنيا﴾ وغرورها ﴿من الآخرة﴾ بدل الآخرة ونعيمها ﴿فما متاع الحياة الدنيا في﴾ جنب متاع ﴿الآخرة إلا قليل﴾ أي : حقير لأنّ متاع الدنيا يفقد عن قريب ونعيم الآخرة باق على الدوام فلهدا السبب كان متاع الدنيا بالنسبة إلى نعيم الآخرة قليلاً وفي الآية دليل على وجوب الجهاد في كل حال وفي كل وقت لأنّ الله تعالى نص على أن تثاقلهم عن الجهاد أمر منكر فلو لم يكن الجهاد واجباً لما عاتبهم الله على التثاقل ويؤكد هذا الوعيد المذكور في قوله تعالى :